14 سبتمبر 2025
تسجيلفي أعقاب الانقلاب الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو، جرت مقارنات عدة بين أجواء ما بعد الانقلاب وأجواء ما قبل ثورة 25 يناير، فاعتبر الكثيرون أن الانقلاب لم يكن أكثر من ثورة مضادة على كل ما حملته ثورة يناير من قيم، وأن نظام ما بعد الانقلاب يحمل نفس خصائص النظام الذي قامت ضده الثورة. ولكن مع تنامي المأساة وانكشاف المزيد من تفاصيلها بدأت تبرز على السطح خصائص أكثر خطورة تشي بنزوع القوى الانقلابية، ليس فقط لاستلهام ملامح نظام ما قبل 25 يناير ولكن لاستلهام بعض خصائص السياسة الصهيونية في الأراضي المحتلة. هذه المقارنة بين الانقلاب والاحتلال الصهيوني لا تكمن فقط في حقيقة أن ما قام به وزير الدفاع من نقل السلطة (التي لا يمتلكها) إلى رئيس المحكمة الدستورية (الذي لا يستحقها) يحمل شبها واضحا بما قام به اللورد أرثر جيمس بلفور عندما أصدر الوعد، الذي عرف باسمه، للورد دي روتشيلد، مدمرا بذلك حرية شعب بأكمله ومسلما إياه إلى يد الاستبداد الصهيوني، ولكن المقارنة تمتد إلى العديد من المساحات الأخرى التي يصل فيها التشابه إلى حد التطابق. أولى هذه المساحات هي تلك المتعلقة بالبناء على "الأمر الواقع" رغم بطلانه. فكما دأب الصهاينة على مطالبة الفلسطينيين بنسيان موضوع الاحتلال ودعوتهم إلى التفاوض حول تفاصيل ما بعد الاحتلال وفقا لشروطهم، تدعو قوى الانقلاب معارضيها من "مؤيدي الشرعية" إلى التغاضي عن وقوع الانقلاب، وتحثهم على المساهمة في "العملية السياسية" التي سوف يديرها ويتحكم فيها الانقلابيون أنفسهم. قادة الانقلاب يدعون خصومهم إذن إلى التوقف عن التمسك بالماضي (القريب جدا) والبناء على الوضع الراهن على ما به من عيوب، ولسان حالهم يقول: نعم لقد أطحنا بالرئيس المنتخب، وعطلنا الدستور، وأبطلنا عمل المؤسسات، وأهدرنا أصوات ملايين المصريين، ولكن ما الضير في ذلك؟ طالما أننا سوف نبدأ عملية سياسية سيدعى إليها الجميع. ولكنهم يستهلون عمليتهم السياسية المزعومة بحملة اعتقالات لكل خصومهم السياسيين تماما كما تمهد إسرائيل لجولات مفاوضاتها باستهداف من ترغب في قمع أصواتهم. الأعراض الصهيونية في الانقلاب العسكري تظهر أيضا في استخدام الانقلابيين لنفس تقنيات الحرب النفسية والدعائية التي وظفها الصهاينة من قبل، فالدور الذي لعبته المؤسسات الإعلامية في التمهيد للانقلاب يشبه بدرجة كبيرة الدور الذي لعبته الدعاية الصهيونية في التمكين للاستيطان اليهودي، وذلك من خلال شن حرب نفسية على الخصوم ونشر الشائعات وصناعة وعي مشوه تتحول بموجبه الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية. الانقلابيون حاليا يستخدمون نفس التقنيات الدعائية، وذلك حينما يدفعون بأن خصومهم مجرد شرذمة من الإرهابيين الذين لا يجيدون غير الممارسات الشريرة والماكرة والتي تصل في وضاعتها إلى حد قتل أنصارهم لإلصاق التهمة بقوى الانقلاب المسالمة، فضلا عن استخدامهم النساء والأطفال كدروع بشرية لحماية اعتصاماتهم غير الشرعية، وإقامتهم مقرات للتعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة ممن يقع في أيديهم من أسرى الطرف الآخر، إلى غير ذلك من الخرافات التي تحركها وتحميها قنوات وفضائيات لا تستحي من الكذب. الممارسات المتصهينة ألهمت قوى الانقلاب أيضا محاكاة سيناريو الانقسام الذي تم تنفيذه بدقة في الأراضي المحتلة، فكما تم شق الشعب الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة، فتوزعت القضية الفلسطينية بينهما، ولم يعد لها نفس الزخم الذي كانت تتمتع به في الماضي، تم تقسيم المصريين بحرفية مماثلة ما بين ميداني التحرير ورابعة، حيث تم تصوير الضفة/التحرير على أنه يضم قوى الاعتدال وأصحاب الحق الأصليين والمخولين للحديث باسم الشعب بأكمله، ولذا فهم يتمتعون بدعم العشرات من الفضائيات التي ثبتت كاميراتها في كافة أرجاء الميدان لإظهارهم دوما من الزاوية التي تجعلهم في أعلى كثافة لهم، فيما تم تصوير القطاع/رابعة على أنه يمثل محور التطرف، الذي تنسب إليه كافة الشرور، من احتجاز قسري للناس وتهديد لهم بالقتل إن هم أرادوا المغادرة. وإلحاقا بهذا التقسيم لم يكن غريبا أن تعمد قوى الانقلاب إلى محاولة ترسيخ فكرة أن مؤيدي الشرعية هم الفصيل الموازي لحماس، وذلك لكي تستفيد من حالة الشيطنة التي ألصقها الإعلام بهذا الفصيل المقاوم وتدمغ بها كل من تربطه صلة بهم، حتى لو كانت صلته هي فكرة المقاومة ذاتها. هذا ومن اليسير توقع أن استمرار الإعلام في تأكيده على أن الفريق المؤيد للشرعية ليس جزءا من الشعب المصري، ومحاولته إلصاق تهم مثل معاداة مصر والتآمر عليها به، يمكن أن يصل بالبلاد إلى حالة عنصرية مقيتة مشابهة لتلك التي يمارسها الصهاينة بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. حتى الموقف الأمريكي أصابته الأعراض الصهيونية فقد أظهرت إدارة أوباما تعاطفها مع الانقلاب وامتنعت عن تسميته باسمه المجرد، وتحايلت على ذلك عبر استخدام عبارات وأوصاف مائعة. كل ذلك من أجل ألا تتوقف عن تقديم المعونة العسكرية التي تضمن بها استمرار معاهدة السلام بين العسكر والصهاينة. بل إن تصريح وزير الخارجية الأمريكي بأن تحرك قادة الجيش كان "لإنقاذ الديمقراطية وليس للاستيلاء على الحكم" يستدعي إلى الأذهان عبارة تبريرية مماثلة، تكررها الإدارات الأمريكية كلما أحرجها السلوك الصهيوني العدواني، تنص على أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها". هذه الأعراض الصهيونية وهذا التزييف المتعمد للوعي المصري توحي بأننا ربما نحتاج في مصر— كما في إسرائيل أيضا— إلى حركة "مؤرخين جدد"، تثبت أن الإسلاميين هم جزء من الشعب المصري، ولم يكونوا جماعات غير مصرية حلت بهذه الأرض قبل أن يقوم الانقلابيون بإلغاء وجودهم معنويا وربما أيضا ماديا.