16 سبتمبر 2025
تسجيلسلع مهمة مثل التمور تغيب عن خارطة التبادلات التجارية بين دولنا والعالمكانت صور الشاشات التلفزيونية المثبتة على أحد حوائط نفق شبكة النقل " اليوبان " في المدينة الألمانية ميونخ تعرض أمام العابرين ورصيف منتظري القطارات السريعة صورا حية لمجزرة النظام السوري الحمقاء التي ارتكبت في مدينة حماة الأسبوع الماضي, كانت الصور مرعبة ومخيفة بمنظر الدماء بل بفكرة المواجهة القمعية التي انتهجها النظام هناك أمام شعب أعزل يبحث عن الحرية والكرامة بعد أن ضاقت بهم السبل عقودا زمنية طويلة رازحين تحت وطأة القهر والظلم يستذكرون صوراً حية للمجازر الواسعة التي لحقت بمدينتهم إبان سنوات الثمانينات المنصرمة وما قبلها فقتلت الأجنة ودفنت المصابين والأموات هكذا في خنادق واحدة , المهم كانت صور مذبحة الأسبوع الماضي تتوالى على مرأى العامة عبر تلك الشاشات الكبيرة وتشد لها الأنظار وتتعالى عبارات الاستنكار والسب العلني بمختلف اللغات الحاضرة لمفتعلي تلك المشاهد المناهضة للحرية وكرامة الإنسان بيد أن محدثي التفت إلي مقرنا ابتسامة صادرة منه بنظرة لا تخلو من السخرية وربما الاحتقار لكل العرب, فالرجل من ذوي الدماء الأوروبية ويعرف انتمائي العربي الذي يمارس الصمت جماعات وأفرادا وأحيانا اللامبالاة تجاه تلك الظروف والأحداث المشينة التي عجت بها شوارع وميادين مدننا الكبرى عندما غابت الديمقراطية واستبد بالحكم أناس يقتاتون على دماء الأبرياء وصمتهم وجهلهم أحيانا, محدثي الأوروبي اعتذر عن عدم مواصلة المشوار معي ذلك الصباح منوها بأنه قد استلزم حضوره إلى مقر عمله في تلك المؤسسة الإعلامية الكبرى في مدينته مبديا لي شعور الدعاء والرغبة في رحلة سعيدة لي ولأطفالي الذين كانت أصواتهم تتعالى فرحين بمتعة الرحلة أما مرافقنا فأحسب أنه فضل العودة إلى مكتبه ليدون ملاحظاته عما قرأه في عيوننا وتفاعل دمائنا العربية الباردة في ذلك الصباح الماطر الذي كنا نستعد فيه لتمشيط مدينته السياحية بحثا عن الاستجمام والمتعة بينما جثث الأبرياء من بني جلدتنا ترمى وتسحل هنا وهناك ثمناً مقدماً للكرامة التي قد تأتي ولا تأتي, أنا بدوري أذنت للصديق بمغادرتنا بينما في النفس الكثير من المبررات التي قد لا تستوعبها مجرد كلمات عابرة أو حتى مجرد عبارات استنكار تجاه مشاهد المذبحة وصورها المؤذية لكل نفس أبية ولكن هو زمن الذل والخنوع حينما يتكرس الصمت ويبدو هو سمة الموقف وثقافته في زمن تصيح فيه آلاف الثكالى بينما لا معتصم يجيب أو حتى يحرك ساكنا.وعلى رصيف آخر في نفس المدينة التي استعد المسلمون فيها بداية الشهر لساعات صوم طويلة كان الباعة يعرضون أصنافا منوعة من التمور الموردة إلى مدينتهم من أمريكا وغيرها , يقدم على شرائها المسلمون تمشيا مع سنة الإفطار النبوي الكريم الذي يفضل حبيبات التمر والماء على موائد إفطار الصائمين, فكان لا بد من الشراء لبعض تلك الحبيبات التي يفوق سعر الفردة الواحدة منها فقط سعر كيلو كامل من تمورنا المحلية , وبفعل خلفيتي المهنية في قطاع الزراعة وانتمائي لواحة عريقة " الإحساء " التي نسوق لها كأكبر واحة منتجة للتمور في العالم فقد خالجني شعور كبير بالإحباط وأنا أبتاع بعض تلك التميرات , ففي حين لدينا هنا في الإحساء والعراق ومصر وتونس والإمارات غيرها من البلاد العربية المشهورة بزراعة النخيل تتكدس آلاف الأطنان من مختلف أصناف التمور ونعجز عملياً عن الوصول بها إلى المستهلكين بالشكل التسويقي المنافس ونشكو غالباً ضعف مردود نخيلاتنا التي نتقاسم معها حرارة الموسم وأجوائه القاسية وتستنزف الكثير من مواردنا المائية الشحيحة فلا تدر لنا سوى الشعور بالانتماء فقط بينما حولنا سوق عالمية كبيرة تستوعب إنتاجنا فيما لو تمت صياغة أسلوبنا التسويقي بما يتوافق مع نظم التصدير ومواكبة أذواق التسويق العالمي ونوعياته, وتلك معضلة كبرى تعيشها معظم مجتمعاتنا العربية حين تتحدث عن عقبات التسويق وسوء التصرف بالمنتجات الزراعية المتنوعة حيث تغيب سلع مهمة مثل التمور عن خارطة الاتفاقات والتبادلات التجارية بين دولنا وعموم العالم وندع مهمة التصدير للاجتهادات الفردية التي لاتصل بحجم منتجنا الكبير والمتنوع إلى مختلف الأسواق المفتوحة وكما أسلفت تلك معضلة تحتاج من عموم وزارات التجارة ومن يعنيه الأمر في بلداننا وقفة مسؤولة استغلالاً لموارد مهمة في أوطاننا العربية[email protected]