12 سبتمبر 2025

تسجيل

عن التربية أتحدث

07 يوليو 2014

هل صحيح مازالت مقولة بيت الشعر الشهير "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق سارية؟ قد يكون الجواب: بلى، ومن غيرها يمكن أن يُعد شعبا بهذه السمة؟ طيب أين هي الأم الآن من المدرسة التي تعد، وتربي، وتوجه؟ أين الأم التي عينها على زرعها.. أولادها؟ بكل وضوح ذابت وظيفتها بكل المفترض أن يكون من رعايتها، وتوجيهها، وأيضا حمايتها فقد خرجت للعمل، وأصبحت تنوء بأحمال إضافية تسحب من رصيد العناية بالأطفال حتى أنها تعود أحياناً من عملها لتلقي في وجوه أولادها كلمتين (مش عايزة أسمع صوت) وترزع الباب خلفها لتنام تاركة مهمة الحفاظ على الهدوء المستحيل للمربية التي لا تجد أمامها إلا فتح التليفزيون بحجرة الأولاد ليتفرجوا وينكتمو، وهي بهذا الفعل تسلم الطفل إلى مُعلمه (التليفزيون) ليتلقى منه ما يريد أن يقوله لا المفروض أن يقول، ويلتحق الطفل بالكائن الحديدي الملون يأكل أمامه، يدرس أمامه، ينام أمامه، وكثيراً ما تكون المعلومة الواصلة للطفل في غياب (المدرسة التي تعد شعباً طيب الأعراق) النائمة في حجرتها البعيدة غريبة ومؤذية، الطفل يتعلم من معلمه الواصل إليه بالموسيقى والألوان والذي يحفر عميقا في وجدانه ويثبت بالصورة المبهرة ما يود تمريره، على سبيل المثال لا الحصر جلس حفيدي يتابع على قناة "MBC 3" مدرسة المضروبين! ماذا في هذه المدرسة، يقول الطفل الكرتون بالفيلم مُعلماً المستمعين الأطفال مبدأ يقول (في الحياة ضارب ومضروب، المضروب لا يمكن أن يَضرب، الضاربُ دائما هو الذي يضرب) ثم بعد موعظة طويلة يدخل المدرسة طفل من المضروبين ليقفز فرحاً وهو يقول أحب أحب الضرب.. أحب أحب الضرب، يكرر ذلك أثناء تمرينات يتلقى فيها ضربات عنيفة، وينتهي التمرين بالطفل المضروب وقد وقف مبتسماً ليقول (أنا أريد أن أُضرب) بضم الهمزة! ثم يأتي صوت آخر ليقول (تذكر شعارنا الضارب وحده يضرب والمضروب لا يَضرب) بفتح الياء، ولم أفهم شيئاً، فقط سؤال مهم ما الذي تريد أن تثبته (نيو للإنتاج الفني) وهو اسم الشركة المنتجة في وجدان الصغار؟ لم أجد جوابا ملائما لما رأيت سوى دعوة إلى الخنوع، والرضى بالإهانة بل استعذابها، واستمراء الخضوع، وعدم استنهاض السعي لتغيير الذات إلى الأفضل، والتسليم للأقوى دون أي مقاومة! يتم تمرير كثير من مثل هذا الغثاء إلى عقول الأطفال (وماما) نايمة مش عايزة تسمع صوت هذا غير (بلاوي) ليس من اللائق أن تبث لأطفال، ونطمع في جيل طيب الأعراق؟ ترى هل نجرؤ والجيل العربي ينمو على الخنوع، والهيافة، وسموم لا تعد أقول هل نجرؤ على أن نفخر بما تفاخر به الشاعر زمان ونقول:إذا بلغ الرضيعُ لنا فطاماتخرُ له الجبابر ساجدينا؟مكنش يتعز، فالأطفال يتعلموا كيف يكونوا منبطحينا!!* لاحظت أنه كلما غضب رمى على الأرض أياً ما كان أمامه كوب لبن، لعبة، طبق، عصير، نظارة أبيه، جوال أمه، أي شيء يطاله يلقيه على الأرض مع وصلة صراخ تزعج بلد، قد يضرب أمه إذا لم تجبه لطلبه! قد يضرب أخته إذا ما حاولت اللعب بلعبته، عندما يتناول طعامه يجهد الخادمة ركضا خلفه، وعندما تصمم على إلزامه بالجلوس ليأكل يلسعها على يدها أو يعضها، المدرسة تقول إنه عنيف يضرب الأطفال في الصف والباص! الغريب أن أمه لم تلفت نظره مرة للاعتذار، لم تعاقبه، (مكبرة دماغها) أصله طفل! ولم تنتبه إلى أنها تربي رجل الغد الذي يسيء إلى أي أحد دون أن يعتذر، وتربي موظفا مكروها من زملائه لفظاظة سلوكه، ومديراً إذا غاب يوماً عن المكتب رقص موظفوه فرحا لغيابه والراحة من طلعته، وتربي زوجا فاشلا ستطفش منه زوجته بعد أسبوع لدفاشته وفجاجته، وأباً سيكرر نفس مسلسل الإهمال التربوي ليكون أولاده صورة طبق الأصل منه (إساءة دون اعتذار) بل جلافة، وعدم احترام للكبير أو الصغير، وعنف إن احتاج الأمر وقد مر بأي مشكلة في شارع الحياة المتلاطم، وأيضا قلة أدب لا حدود لها وأيضا دون اعتذار! متى تستفيق الأم على تقصيرها؟ أكيد عندما تتوجع بإهانة منه وقد كبر دون أن يفكر في الاعتذار لها ليتأكد لها أن ما نزرعه اليوم غدا نحصده. * * * طبقات فوق الهمس* نحن أمام جيل ليس محاصراً فقط بالوجبات السريعة التي حولت الأطفال إلى براميل تنذر بقائمة أمراض، وإنما بتغيب وعيه، وزرع الهيافة في مفاصله!* انظروا كم كاتباً في عالمنا العربي يكتب للأطفال لتتأكدوا من فقر المضمون!* أب يهدي طفله بالمرحلة الابتدائية آي باد! ماذا سيهديه في الثانوية؟ صاروخ؟* تقول لطفلها عندما يخطئ أنت قليل الأدب.. يرد عليها انتي قليلة الأدب! بدل أن تعاقبه تداري وجهها وتغرق في الضحك! خوش تربية.* الأب فرحان.. طفله بدأ يتكلم.. أول عبارة علمه إياها.. قول لخالو يا حمار.. وها .. ها.. ها.. خوش تربية. * * * في رمضان* ما أجمل رمضان رسولاً يجمع القلوب، ويعيد الود، ويرد الغياب لمحبيهم، ويصل ما انقطع من صلات قلوب تهادت المحبة عمراً، ما أجمل رمضان رسولاً للحنان، والعطف، والإيثار، والتكافل، والتسامح، والتصافح، والحب، والعطاء، كل عام وأنتم بخير.