12 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن تركيا اختارت سياسة الطرق على الحديد وهو ساخن، عنوانا للمواجهة الثانية الخاصة بالمعارك الدائرة في ليبيا، سعيا لإعادة تشكيل الوضع على الأرض بما يتناسب مع حجم دعمها لحكومة الوفاق الوطني، لتحسين تموضعها على الأرض، وخلق واقع جديد يعزز موقفها التفاوضي مستقبلا، ويحافظ في الوقت نفسه على مصالحها، التي حددتها بنود اتفاقياتها الأمنية والتجارية مع الحكومة الليبية الشرعية برئاسة فائز السراج. السفن الحربية التركية ومهمة حراسة طرابلس وتحقيقاً لهذه الأهداف اقتربت السفن الحربية التركية الراسية في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية من العاصمة طرابلس، التي تم تحريرها بالكامل وطرد مرتزقة حفتر من محيطها، واضعة إياها تحت حراستها الدقيقة على مدار الساعة، بينما تواصل قوات حكومة الوفاق الوطني تقدمها وتكثف من عملياتها العسكرية ضد ميليشيات حفتر داخل نطاق الحدود الإدارية الجنوبية لمدينة ترهونة، أبرز معاقل حفتر الواقعة جنوب شرقي العاصمة طرابلس، التي تم تحريرها اليوم -أمس- بالكامل، وصارت بالكامل تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق والقوات التركية. ومع استعادة الحكومة الشرعية لمنطقتي عين زارة ووادي الربيع، والتقدم داخل قصر بن عشير جنوبي طرابلس، تم رصد انسحاب آليات تابعة لحفتر من ترهونة باتجاه مدينة بني وليد التي تبعد عن جنوب شرقي طرابلس 180 كيلومتراً. الوفاق تستبعد حفتر من أي عملية سياسة منتظرة تلك التغييرات على الأرض أعادت دعوات وقف إطلاق النار، وأهمية بدء المفاوضات السياسية لحل الأزمة الليبية، تلك الأحاديث التي دائما ما يخفت صوتها، ولا يُسمع لها حسيسا حينما تمارس ميليشيات حفتر عملياتها الإرهابية، وتُوغل في قتل المدنيين، وتُدمر البنية التحتية، وتستهدف المستشفيات والمدارس والأبنية الحكومية. فمع الانتصارات المتتالية لقوات الحكومة الشرعية، وهروب مرتزقة حفتر من ساحات المعارك انطلقت الأصوات والتصريحات من باريس والإمارات وموسكو أكبر الداعمين للمتمرد وميليشياته، وكذلك من واشنطن وحلف الأطلسي المؤيدين للشرعية، الجميع يطالبون بعدم التصعيد، ويدعون إلى ضرورة وقف إطلاق النار، تحت دعاوى أن الحاجة أصبحت مُلحة لبدء طرح عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة!!!. إلا أن الحديث الآن عن " ضرورة " طرح عملية سياسية في ليبيا من الواضح أنه لم يعد يتوافق على الإطلاق مع طموحات حكومة الوفاق الوطني، التي باتت على يقين من أن حاجتها إلى فرض سيطرتها على كامل التراب الوطني الليبي بصفتها الحكومة الشرعية المعترف بها من جانب المجتمع الدولي أكثر بكثير من حاجتها لبدء عملية سياسية تفاوضية مع متمرد مدعوم من قوى دولية وإقليمية، لكل منها أهدافها وأطماعها، التي لا تتوافق في الغالب وطموحات الشعب الليبي الساعي إلى الحرية والديمقراطية بعيدا عن الوصاية الخارجية. وبات من الواضح أن حكومة الوفاق قد حددت وجهتها المستقبلية، المبنية على أنه في حال وافقت على إطلاق عملية سياسية يتم بموجبها توحيد الصف الليبي، فإنها لن تقبل أن يكون المتمرد حفتر أحد الأطراف المشاركين فيها، وهو الموقف الذي تدعمه تركيا، التي ترى أن من يسعى للانقلاب على الشرعية، ويعمل من أجل تحقيق مصالح دول أخرى على حساب مصلحة بلاده وشعبه، مشكلا بذلك خطرا على مستقبلها، ليس له مكان في تشكيل هذا المستقبل. شراسة العمليات العسكرية الانتقامية المتوقعة لكن رغبة حكومة الوفاق في فرض سيطرتها على كامل الأراضي الليبية لا تعني بالضرورة استسلام حفتر وانسحابه من المشهد السياسي على الساحة الليبية بهذه البساطة، بقدر ما تعني زيادة حجم الدعم المقدم له من جانب داعميه وراعيي إرهابه، بما ينذر بشراسة العمليات العسكرية المتوقعة في شرق ليبيا، حيث مسرح العمليات العسكرية في طبرق وبنغازي خلال الفترة المقبلة. إذ من المرجح أن تتمحور عمليات ميليشيات حفتر الانتقامية في قصف جوي مكثف وعنيف للمناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، وهو التوقع الذي تدعمه المعلومات الخاصة بنقل موسكو ثماني طائرات حربية روسية من بينها 6 من طراز " إس يو – 24 " و2 من طراز " إم أي جي – 29 " من قاعدة " حميميم " السورية إلى الأراضي الليبية الواقعة تحت سيطرة مرتزقة حفتر. تسارع الخطوات الروسية في ليبيا، ودعمها لحفتر، لا يعني رغبة خالصة في مساندته لتخطي هزائمه وتحسين وضعه أمام داعميه داخليا وخارجيا، بقدر ما هي محاولة لتحقيق انتصار سريع على الأرض يعيد الثقة في صناعاتها العسكرية، ويحفظ لها ماء وجهها، ويوقف نزيف خسارتها الاقتصادية بسبب الحرب الإعلامية التي يقودها ضدها الغرب، الذي وإن كان يكن العداء لتركيا، إلا أنه لم يخف شماتته الظاهرة فيما أصاب السلاح الروسي من هزيمة على يديها في ليبيا، معتبرا ذلك إيذانا ببدء مرحلة الأفول لصناعة الأسلحة الروسية، التي فشلت للمرة الثانية على التوالي في الصمود أمام ضربات الطائرات التركية المسيرة "بيرقدار" بأنواعها. أما الإمارات أكبر داعمي المتمرد حفتر، فقد سارعت إلى التواصل مع مسؤولي شركة " فاغنر " الروسية التابعة للكرملين من أجل التفاوض على الدفع بعناصر جديدة من المرتزقة الروس لتعويض خسائر حفتر البشرية، كما أرسلت عددا من السماسرة إلى دول عدة للبحث عن مزيد من المرتزقة لإرسالهم إلى شرق ليبيا، لإحلالهم محل من قتلوا أو هربوا بعد المعارك الأخيرة. التحركات الروسية والتحذيرات التركية التحركات الروسية والإماراتية وإن اختلفت أهدافهما، إلا أنها صبت في نهاية المطاف في منح اللواء المتقاعد الشجاعة للتصريح بأنه في طريقه لشن أكبر هجوم في تاريخ ليبيا ضد تركيا، وفي رفع روحه المعنوية حيث بدأ في التحرك دبلوماسيا باتجاه العواصم الداعمة له لتبرير هزائمه بحثاً عن المزيد من الدعم. ورغم أن تركيا اعتبرت كلام الرجل نوعا من الهذيان الناجم عن الخسائر الفادحة التي تعرض لها هو وميليشياته، إلا أنها حذرت عبر خارجيتها من أن استهداف مصالحها في ليبيا سيجعل حفتر نفسه هدفا مشروعا لها. قلق أوروبا وأمريكا من تزايد النفوذ الروسي الأمر الذي أثار قلق الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية خاصة مع تزايد الوجود العسكري الروسي في ليبيا من جهة، وانعكاسات ذلك على حجم العمليات العسكرية المتوقعة خلال الفترة المقبلة من الجهة الأخرى. لذا كان تواصلهما الدبلوماسي مع أنقرة بهدف توحيد المواقف، والعمل جديا هذه المرة على إيجاد حل للأزمة الليبية عبر الأطر السياسية، لنزع فتيل حرب قد تمهد لتدخل أطراف دولية أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية، للحفاظ على مصالحها ولمواجهة تزايد النفوذ الروسي، مما سيزيد من أمد الحرب، وسيؤدي حتما إلى ما لا تحمد عقباه. لكن رغم تلك المخاطر، يبدو الحديث عن إمكانية وقف القتال، وطرح عملية سياسية في هذه المرحلة تحديدا، مجرد محض خيال إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما حققته حكومة الوفاق من انتصارات، وما استعادته من أراضٍ، منحها الثقة في قدراتها، والأمل في إمكانية فرض سيطرتها على كامل التراب الوطني الليبي، دعك عن تعارض ذلك الطرح مع مصالح الأطراف الداعمة للجانبين. الجزيرة نت