27 أكتوبر 2025

تسجيل

بعـد عام من حصار جائر ..هل نجح الرباعي المتأزم في تحويل قطر لعـدو ؟  

07 يونيو 2018

صناعة الأعداء هي علم يتم استخدام عدة علوم فيها، هي الإستراتيجية أو علم وضع الخطط، وعلم النفس وخاصة ذاك المتعلق بتوجهات الجماهير، بالإضافة إلى علوم ونظريات الإعلام.. وعبر تلك العلوم يتم صناعة عدو أو عدد من الأعداء، بحسب رغبة الزبائن، والمتمثلون هاهنا في الأنظمة الاستبدادية الحاكمة.   بعد عقود من العداء الأمريكي مع قوة الشر المتمثلة يومها في الشيوعية وكان يمثلها الاتحاد السوفييتي، وبعد أن انهارت تلك الدولة ومعها الكتلة الشيوعية جميعاً بداية تسعينيات القرن الفائت، فرغت الساحة أمام الأمريكان من الأعداء، فكان لابد من اللجوء إلى إستراتيجية صناعة الأعداء التي يقوم جزء رئيسي من إستراتيجية الولايات المتحدة عليها، كمدخل للتدخل والسيطرة على الآخرين، إضافة إلى لفت الأنظار نحو الخارج حين تشتد أزمات الداخل.  فبدأت في صناعة عدو وهمي جديد تمثل في لعبة (الإرهاب) التي وصلت ذروتها في أحداث سبتمبر2001، لتتمدد بعدها أمريكا يمنة ويسرة في هذه اللعبة، تشرّع القوانين والأنظمة وتجرِّم هذه الدولة وتلك، حتى صارت لعبة أو برنامج الإرهاب هذا حديث العالم كله، بل شجع الكثيرين على استخدامه في أي وقت، بعد إجراء تكييف وضبط معين للبرنامج، يخدم توجهاتها وأهدافها.   تأتي صناعة الأعداء في النظم الاستبدادية على رأس أولوياتها، وهي صناعة كما أسلفنا لا تتم بشكل عشوائي، بل تستند إلى أسس ونظريات علمية، تهدف إلى ترسيخ مشاعر الخوف لدى الشعوب، وتعميق شعور عدم الإحساس بالأمن والأمان بسبب العدو الذي تمت صناعته، وفق تخطيط استراتيجي تقوم عليه عادة، أجهزة الأمن والمخابرات بمعية ومساندة الآلة الإعلامية الرسمية بشكل مباشر، ووسائل إعلامية أخرى مساندة بشكل غير مباشر. صناعة عدو هي صناعة خوف      إذن يمكن القول إن صناعة العدو إنما هي باختصار شديد، صناعة خوف ورعب لدى الشعوب، وذلكم الرعب يمنعها من أي تحركات ومطالبات للتغيير مثلاً، بل وتحت ضغط ووهم وجود عدو خارجي متربص، تجد تلك الشعوب بشكل لا شعوري، مع كثرة واستمرارية تعرضها لحملات إعلامية حول ذاك العدو، تقبل قرارات أو سياسات أو حتى ممارسات الأنظمة الحاكمة، مهما كانت درجة استبداديتها وقسوتها، بعذر أو مبرر التعاون مع النظام لمنع خطر العدو أن يصلهم!      هكذا يصل الحال بالشعوب أحياناً، بعد أن يترسخ في اللاوعي عندها بفعل كثافة الرسائل الإعلامية المصنوعة في دوائر الاستخبارات والأمن، أن هذا العدو متربص ومتآمر عليها أيضاً وليس على أنظمة الحكم فقط، وأنه يعمل جهده في تخريب مكتسبات البلاد، وأنه المسئول عن الأزمات السياسية والاقتصادية وغيرها في البلاد، وأن النظم الحاكمة تعمل جهدها لمواجهة هذا العدو وإحباط مؤامراته، من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة ومكتسباتها بالإضافة إلى أمن شعوبها، إلى آخر تلكم الرسائل الاستخباراتية!      الرباعي المحاصر والبحث عن عدو مشترك    حصار قطر لا يمكن أن يخرج عن حلقات أو إطارات إستراتيجية صناعة الأعداء. بمعنى آخر، أن الرباعي المتأزم المحاصر لقطر منذ سنة، إنما تلاقت وتشابهت أزماتهم الداخلية، وإن تنوعت أجنداتهم، إلا أن رؤاهم اتفقت على أهمية وضرورة تصدير أزماتهم الداخلية نحو الخارج، عبر صناعة عدو خارجي مشترك، يتم من خلاله لفت أنظار الداخل إليه لحين من الدهر قد يطول أو قد يقصر، يتخففون بعض الشيء من الأعباء والأزمات المحلية، وعبر هذا الغطاء أيضاً، يتم تمرير ما يمكن تمريره من أجندات وأهداف خاصة بالأنظمة الحاكمة، وتلك المتشابكة مع أنظمة دول أخرى إقليمية أو دولية.    المحاصرون الأربعة: مصر، السعودية، الإمارات والبحرين، يعيشون - لمن يتابع أحوالهم عن قرب وكثب منذ عواصف الربيع العربي - حالة من التأزم الداخلي وعدم استقرار على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي.    مصر، منذ انقلاب العسكر عام 2013 على أول رئيس مدني منتخب في تاريخها العريق، تعيش حالة من عدم الاستقرار. تنتقل من أزمة إلى أخرى. وتبعتها السعودية، التي بدأت أزمتها السياسية الحقيقية منذ أن ربطت مستقبلها بمستقبل النظام العسكري في مصر بعد الانقلاب، حتى تعمقت تلك الأزمة السياسية لتضرب استقرارها الاقتصادي، خاصة بعد التهافت والتسرع الذي حصل وما زال يحصل من ولي العهد الحالي للسيطرة على زمام الأمور، التي لا تبدو أن هناك سيطرة، بقدر ما أنه دفع البلاد لحالة غليان شبيهة ببركان يغلي ويحتقن وينتظر أن ينفجر أية لحظة..     الحال لا يختلف في الإمارات وتحديداً إمارة أبوظبي، المهيمنة على القرار السياسي وصاحبة النفوذ المالي في الدولة الاتحادية، التي صنعت وهماً وعدواً كبيراً قبل منذ بدايات الربيع العربي، وتمثل في الإسلام السياسي أو تحديداً جماعة الإخوان المسلمين، وأدخلت نفسها تبعاً لذلك، في حرب ضروس ضد الجماعة أينما ظهرت من العالم، وأرهقت نفسها بتكاليف باهظة سياسياً ومالياً، وعاشت على إثره في قلق ودوامة من المشكلات وعدم استقرار، نتيجة تصرفاته وقراراته السياسية التي تُصنع له من قبل كوادر أمنية استخباراتية تجمعت حوله من بقايا الأنظمة العربية الأمنية القمعية.. أما البحرين، فإن أحوالها وأزماتها الداخلية لا تختلف عن أخواتها الكبريات، بل هي صدى للواقع السياسي السعودي.   خلاصة الحديث     مما سبق من استعراض مختصر سريع للأحوال الداخلية غير المستقرة للمحاصرين الأربعة لقطر، يتبين لنا لماذا ظهرت أزمة الخليج فجأة للعلن، وكيف تحولت قطر بين ليلة وضحاها إلى عدو مشترك للأربعة، مستخدمين الأسلوب الأمريكي والإسرائيلي في صناعة الأعداء وتوجيه أنظار الداخل نحو الخارج، مستغلين لعبة الإرهاب في كسب تأييد مجتمعاتهم الداخلية وكذلك العالمية ، لاسيما الغربية منها، يمنون النفس بتمرير مآربهم وحل مشكلاتهم على أكتاف جارتهم الصغيرة جداً قطر.   وسواء أدركوا خطورة لعبتهم هذه أم لم يدركوها، فإن بعملهم العدائي غير المبرر تجاه قطر وحصارها، إنما يكشفون أنفسهم وظهورهم، ويفتحون أبواباً من الشر عليهم قبل غيرهم كانت مغلقة نوعاً ما. ولا نقول إن قطر هي من ستفتحها، لكن أولئك المتربصين بهذا البيت الخليجي، من كانوا ينتظرون فرصة كهذه لمزيد ابتزاز ودعم خزائنهم لأجل رفع مستويات المعيشة والرفاهية بمجتمعاتهم، تاركين دون شك مشكلات المحاصرين الأربعة الداخلية تتعمق أكثر فأكثر دون حلول، لتكون النتيجة بعد انجلاء الغمة وانكشافها عن الخليج، كالمنبتّ الذي حاول أن يصل إلى هدفه عبر حصانه والقسوة عليه وعدم إراحته، حتى هلك الحصان وسط الطريق، فلا هو أرضاً قطع ولا أبقى ظهرا.    الأزمة لا شك أنها لن تكون دائمة ولن تستمر، وستنتهي بصورة وأخرى، وسيخرج الجميع منها ولكن بعد خسائر متفاوتة ونسبية لكلا الطرفين، وإن كانت خسائر المعسكر المحاصر ستكون أكبر وأفدح. وستدرك شعوب الرباعي المتأزم، المغلوبون على أمرهم، أن العدو الحقيقي لم ولن يكون قطر، بل أنظمة الحكم عندهم..  ويوم أن تزول الأزمة والغمة عن الخليج، تكون حينها قطر قد خرجت من معسكرهم دون شك والمتمثل في التعاون الخليجي، وربما يكون قد ظهر حلفٌ أو معسكر جديد بالمنطقة من ضمنهم قطر.. معسكر يبني ويتكاتف ويتحالف ويعمّر ويخطط للغد، فيما سينشغل المعسكر المحاصر أو الرباعي المتأزم، بمداواة جراحاته وآلامه، وربما دراسة أخطائه وحل مشكلاته مع الداخل والخارج.. وأكاد أنظر إليهم بنظرة استشرافية وهم يتلاومون ويتبادلون الاتهامات طويلاً، إلى أن يقضي الله أمراً فيهم كان مفعولا.. فهكذا هي سنن الله مع الظلم والظالمين، ولا يحيق المكرُ السيئ إلا بأهله.