02 نوفمبر 2025
تسجيللا يختلف اثنان في تركيا على أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يمسك بيده مفاتيح فوز مؤكد في انتخابات رئاسة الجمهورية عندما تجري في العاشر من أغسطس المقبل. وإذا لم يكن الفوز من الدورة الأولى بنسبة تفوق الخمسين في المئة فمن الدورة الثانية بمعزل حينها عن النسبة.ذلك أن أردوغان بات المرشح المحسوم لحزب العدالة والتنمية وإن لم يعلن ذلك رسميا. وحسم أمر الترشيح واضح من خلال قرار حزب العدالة والتنمية الاستمرار في تطبيق اعتماد عدم بقاء أي مسؤول حزبي في موقعه لأكثر من ثلاث ولايات، سواء كان نائبا أو رئيسا للحكومة وما شابه. وبالتالي فإن أردوغان ملزم بالتخلي عن رئاسة الحكومة في ربيع العام المقبل، أي عند إجراء الانتخابات النيابية، فلا يعود لا نائبا ولا رئيسا للحكومة ولا رئيسا للحزب. وهذا يعني حتمية انتقاله إلى معركة رئاسة الجمهورية ليكون رئيسا للبلاد لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وإن لم يترشح للرئاسة يعني جلوسه في البيت وهذا غير متوقع البتة.والسؤال الذي يقفز فورا هو أنه ما دام ترشيح أرودغان محسوما فلماذا لا يعلن ذلك رسميا؟أولا أن الإشارة إلى ترشيح أردوغان تكررت على لسان أرفع المسؤولين في حزب العدالة والتنمية، مثل بولنت ارينتش ومحمد علي شاهين، ورغم أنه لم يبق على موعد إجراء الانتخابات أكثر من شهرين، وهذه فترة قصيرة بالفعل إذا ما احتسبنا أن المرشح يجب أن يقوم بجولات انتخابية على مساحة البلاد الواسعة، فإن التأخر في إعلان الترشيح يدخل في إطار مراقبة مشهدين: وضع المعارضة ووضع حزب العدالة والتنمية نفسه.فالمعارضة بأحزابها الرئيسية الثلاثة، حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب السلام والديمقراطية الكردي، لم تعلن بعد مرشحيها. وأردوغان ينتظر تسمية المعارضة ليبني برنامجه في الحملة الانتخابية، إذ إن تقدم المعارضات بأكثر من مرشح يختلف عن وضعها في حال اتفقت على مرشح واحد ويجعل من أردوغان يعد خططا تبعا لكل حالة.ولكن الأنظار تتجه أكثر إلى البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية، إذ إن السائد والشائع منذ فترة طويلة أن حزب العدالة والتنمية سيطبق نموذج بوتين- ميدفيديف، أي يصعد أردوغان إلى رئاسة الجمهورية ويعود الرئيس الحالي عبد الله جول إلى رئاسة الحزب والحكومة. لكن على ما يبدو فإنه إذا كان أردوغان هو بوتين، فإن جول بالتأكيد ليس ميدفيديف، إذ إن أردوغان يسعى إلى أن يحمل معه إلى الرئاسة صلاحيات رئيس الحكومة ليبقى الرجل الأول والأقوى في البلاد، حيث ثقل السلطة في النظام الحالي هو بيد رئيس الحكومة.وقد صرح علنا وبلا تردد بعض قادة حزب العدالة والتنمية أن أردوغان بعد وصوله إلى رئاسة الجمهورية سوف يغير النظام السياسي ليكون رئاسيا، بل أيضاً ليكون حزبيا، بحيث يكون الرئيس في موقعه الرئاسي بصفته الحزبية كما هو الحال في الولايات المتحدة وفرنسا على سبيل المثال.وهذا الطموح قد يغير من حسابات البعض، ولاسيَّما عبد الله جول الذي أعلن أنه في ظل هذه الظروف، ليس من خطط سياسية لديه، أي أنه غير راغب في أن يكون من جديد رئيسا للحكومة أو لحزب العدالة والتنمية، إذ إن جول، رغم كاريزما وقوة أردوغان، ليس شخصية ضعيفة، بل كان له دور أساسي لا يقل عن دور أردوغان، بل أحيانا يفوقه في تأسيس حزب العدالة والتنمية وإيصاله إلى بر السلطة وعقلنة الكثير من خطواته وسياساته التي أتاحت بقاءه في السلطة طوال هذه الفترة.وبالتالي فإن جول سيرفض أن يكون مجرد ظل لأردوغان أو أداة يديرها أردوغان بالريموت كونترول، وبالتالي فإن التأخر في إعلان الترشح ينتظر المفاوضات بين أردوغان وجول حول ملامح المرحلة المقبلة وحجم الدور الذي سيضطلع به جول بما يتناسب مع تاريخه وموقعه، وإلا سوف ينتقل البحث في خليفة أخرى لأردوغان في رئاسة الحكومة والحزب وبطريقة لا تعرض الحزب في ظل غياب الإدارة المباشرة لأردوغان أو جول إلى انقسامات وتضعضع، وهي حالة عانت منها أحزاب تركية كثيرة وكبيرة وتاريخية عندما غادرها رئيسها إلى رئاسة الجمهورية كما كان الحال مع حزب الطريق المستقيم بزعامة سليمان ديميريل وحزب الوطن الأم بزعامة طورغوت أوزال.