17 سبتمبر 2025

تسجيل

بين محاكمات العدل والإحسان أو الظلم والطغيان

07 يونيو 2012

محاكمات العدل والإحسان عنوانها قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)، ومحاكمات الظلم والطغيان عنوانها: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)، محاكمات العدل والإحسان فيها قضاة لا يخافون إلا الله، ويرتعشون وهم يكتبون الأحكام لأن هناك وقفة أمام الملك سبحانه وتعالى يوم القيامة كما يقول الله تبارك وتعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ) (ص: من الآية26)، وبين ناظريهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أورده الهيثمي بسنده عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: واحد ناج، واثنان في النار، قاض قضى بالهوى فهو في النار، وقاض قضى بغير علم فهو في النار، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة)1، ومحاكمات الظلم والطغيان في صدر الإسلام إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، لكن في مصر وعالمنا العربي ذهبنا مشوارا أبعد من هذا، إذا سرق فيهم الشريف أكرموه، وإذا لم يسرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، محاكمات العدل والإحسان بكى فيها القاضي أبو يوسف الحنفي الذي ولي القضاء مكرها فلما أتته المنية بكى، قالوا: ما يبكيك وقد كنت أعدل القضاة، فقال: أقسم بالله ثلاثا ما حكمت في قضية إلا بالعدل ما عدا قضية واحدة كانت بين الخليفة ونصراني، وكان الحق للخليفة، وقضيت فيها للنصراني مخافة أن يقال: حَكَم للخليفة تزلفا، وظل يبكي لأنه ظلم الخليفة لحساب نصراني، أما محاكمة الظلم والطغيان فقد حكمت على الشعب المصري الثائر كله لحساب مبارك والعادلي وجمال وعلاء مبارك وحسين سالم وحسن عبد الرحمن والشاعر و... فهؤلاء سلبوا الشعب المصري حرياتهم وصوبوا الرصاص الحي إلى صدورهم، وبالغوا ودققوا التصويب إلى عيونهم ورؤوسهم، ودهسوا الشعب بسياراتهم وبأقدامهم، وأجهزوا على كثير من جرحاهم، ونهبوا النقير والقطمير من أموالهم، واحتقروا علماءهم وعامتهم، وقهروا رجالهم ونساءهم، ومع هذا حصل على البراءة أكثرهم وتم الحكم على مبارك والعادلي فقط بسبب القرار السلبي في الامتناع عن إيقاف القتل الذي قام به "اللهو الخفي" في موقعة الخيل والبغال والجمال، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، والمجلس العلمي، وماسبيرو، والسويس، والإسماعيلية، والإسكندرية، وبور سعيد، وأخيرا وليس آخرا العباسية وهي التي عبر عنها الفريق أحمد شفيق بأنها مجرد "بروفة" للشعب المصري، وهذه توجب محاكمته حيث جرى سحل المعتصمين سلميا وضربهم وسبهم ولعنهم بأمهاتهم وأهلهم وذبح الكثير منهم، مما لا يتصور أن يفعله غير الصهاينة بالمصريين أو الفلسطينيين أو الأردنيين أو السوريين، أو ما يفعله شيعة العراق بأهل السنة، أو حزب البعث أو نظام صدام بالأكراد في حلبجة وغيرها، أو ما فعله ولا يزال الأسد بشعبه المسكين، أو ما فعله القذافي من تأجير المرتزقة لهتك أعراض بنات شعبه وقتل رجالهن، يعني أن الرئيس مبارك والأحكام الصادرة في محاكمة القرن كما سموها صدرت بسبب عدم التدخل لمنع "اللهو الخفي" من قتل الشعب وكأنه رئيس ليس عنده أجهزة مخابرات وأمن دولة ونيابة عامة يلزمها القانون أن تتحرك في اللحظة والتو مع كل حالة قتل أو اعتداء لتتحرى الأدلة وتقدمها للعدالة، ومن واجب القاضي أن يأمر بجمع الأدلة واستشهاد الشهود وتوثيق الشواهد، لكن الذين حصلوا على البراءة هم الذين أعدموا الأدلة ودفنوا الشهود، وأخرجوا القتلة من السجون، وقتلوا من اللواءات والعمداء والعقداء من رفضوا إخراج المجرمين من السجون، وتسليمهم أسلحة أقسام الشرطة ليقوموا بما سماه الرئيس المخلوع "الفوضى الخلاقة" وهي التي استمرت حتى اليوم في حوادث القتل والخطف والترويع، لدرجة أن صديقي العالم الأزهري الحافظ الألمعي خالد حنفي رئيس رابطة علماء المسلمين في ألمانيا وأستاذ الشريعة في جامعة الأزهر نزل إلى مصر أياما قبل أن يذهب إلى غزة هاشم مع رابطة علماء أهل السنة، وفي الليلة الأولى لنزوله نزل شقته لينام، فجاء لص ودخل من شباك المطبخ، وفتح الثلاجة وأكل ما فيها من عنب وتفاح وخوخ وما لذ وطاب، ثم تسلل إلى غرفته، وأخذ حقيبته الخاصة وجلس على طاولة في البلكونة، وفرز الأوراق والأموال وسطا على الأموال، وترك الأوراق "مفرودة" على الطاولة وبجوارها ساطور، ثم تبين في بلاغ الشرطة أنه فعل الشيء نفسه في الليلة ذاتها في بيوت أربعة، وطبعا إلى الآن لم يضبط اللص صاحب "السواطير" أو "الأساطير" أو إن شئنا اللص الإنسان، وآخر حادثة منذ أسبوع أعلمها أن مجموعة لصوص ركبوا سيارة أجرة من مصر إلى الإسكندرية وركب معهم أحد المهندسين من الموقف وفي الطريق أوقفوه بالسكاكين والمسدسات وقالوا له: أعطنا كل ما تملك وأنزلوه من السيارة وأعطوه عشرة جنيهات ليرجع إلى أهله، إننا شعب اللصوص عندهم إنسانية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل القاضي يشفق على الرئيس المخلوع مبارك وطاغية الداخلية العادلي فيعطيهما فقط سجنا مؤبدا لا إعداما! أما علاء وجمال مبارك وحسن عبد الرحمن و... الذين تواترت شهرتهم في الإجرام وتعذيبهم خلق الله بلا هوادة، بل هتك الأعراض في مقرات أمن الدولة، ووصلت إلى حد هتك العرض أمام الزوج أو الأب أو الابن أو الأخ ومات البعض كمدا فيما يسمى الموت صبرا وهو من يموت ليس بطلقة رصاص واحدة، وإنما بعد تعذيب رهيب وانتزاع الاعتراف بجرائم لم يرتكبها إلا معذبوه، وكم من أبرياء اعترفوا بجرائم لم يرتكبوها، وهذا كله مما حدا بمجلس الشعب المصري العظيم بإقرار قانون عدم بطلان قضايا التعذيب بالتقادم ومن حق أي مصري أُهين أو عذب أن يتقدم ببلاغ مباشر إلى النيابة العامة مع الإلزام بالتحقيق فيها وهو عكس ما قام به النظام السابق لحامية ضباط التعذيب وجلادي الشعب، وكان من يتقدم بشكوى لمن عذبه يسجن أو يدفن ويُعتدى على أهله وماله حتى يندموا أنهم رفعوا شكواهم لغير الله عز وجل. حقا يجب على الشعب المصري أن يثور مرة أخرى في ميدان التحرير وميادين مصر، بل واجبهم أن يكملوا مشوارهم "الشعب يريد إسقاط النظام" وإلا لو استمر الحال فسينقلب السحر على الساحر، والمخلوع على شعبه وستقام لنا مذابح لم يشهد التاريخ لها مثيلا، وقد قدموا بدلا من "بروفة" العباسية عشرا، وعلى كل قال ابن القيم الجوزي: "أحكام الدنيا تجري على الإسلام، وأحكام الآخرة تجري على الإيمان"، فإذا حوكم مبارك وأعوانه محاكمات شكلية من أبشع أنواع الظلم والطغيان فإن المحكمة الربانية معقودة يقول فيها ربنا سبحانه: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) (طه: من الآية111)، وفي الحديث الذي رواه المنذري في الترغيب والترهيب بسند صحيح أن الله تعالى يقول لكل نفس مظلومة: "ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".2 فيا دماء الشهداء ويا أمهاتنا الثكالى ويا آباءنا الموتورين وشعبنا المظلومين لابد من إكمال الثورة على الظالمين مع اليقين أن عين الله لا تنام وبطشه شديد، وعذابه أليم، والميزان في الآخرة ينتظر الناس جميعا. قال هاشم الرفاعي: وإلى لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.