18 سبتمبر 2025
تسجيلالعالم يدخل شهره الخامس تقريباً والسادس للصين، مع أزمة عالمية غير مسبوقة، لم يألفها العالم من ذي قبل. عدم الألفة ليست في النازلة، المتمثلة في انتشار فيروس كورونا، بل في آلية التعامل معه، وطرائق الدول في مواجهته ومكافحته المستمرة حتى ساعة الناس هذه. فمنهم من أغلق على نفسه الحدود وأدخل الناس منازلهم وفرض قوانين صارمة مؤلمة. ومنهم من أخذ الاحترازات المناسبة ولم يغلق على الناس منازلهم، وإن كانت الحدود قد أغلقت. وهكذا تفاوتت الدول في إجراءاتها. لكن مع طول مدة المكث بالبيوت، وفي وضع غير مألوف دفع إلى تغيير شبه إجباري وهائل لروتين ملايين البشر حول العالم، ما أثار الناس ومعهم حكوماتهم ودفعهم إلى عدم الاستمرار في الحجر الاختياري أو القسري، وضرورة أن تعود الحياة كما كانت قبل النازلة. فهل حان الوقت فعلاً لتخفيف القيود والاجراءات والخروج للشارع في ظل عدم وجود علاج حاسم لهذا المرض حتى الآن؟. المشكلة الأهم التي يخاف منها القائمون على أمور الصحة في كثير من بلدان العالم، أن الفيروس له عودة ثانية وربما ثالثة، بحسب تقارير وأبحاث علمية عدة، ومن المبكر جداً التفكير للعودة إلى ما كانت الحياة عليه قبل نازلة كورونا وبالسرعة المرغوبة عند العوام وربما عند بعض السياسيين ورجال الأعمال. نشرت الصحف السويسرية قبل أيام نموذجا وبائيا للأشهر القادمة، صاغه وطوره عالم الرياضيات ديفيد أوليفييه وعالم الأمراض المعدية دانييل جيني، ونشرت ترجمته موقع الجزيرة نت، قالت إن نتائجه لا تبدو متفائلة لكنها ليست بالضرورة حتمية. وأن هذه التنبؤات تسير في نفس اتجاه نموذج آخر لفريق من مدرسة الاختصاصات المتعددة في لوزان وجامعة جونز هوبكنز الأمريكية تم نشره مؤخراً. ووضع الباحثان أربعة سيناريوهات: السيناريو الأول ويفترض وقف تام للتدابير الصحية في نهاية يوليو المقبل، وأنه في حالة حدوث ذلك، فإن موجة ثانية رهيبة من انتشار العدوى ستبدأ في منتصف أغسطس. السيناريو الثاني الذي لا يرغبه كثيرون، وهو الاستمرار في التدابير الصحية الصارمة المفروضة حالياً حتى نهاية يناير من العام القادم ! وهو سيناريو يضمن انخفاض منحنى الحالات الجديدة من الوباء بصورة شديدة، ويجعل المستشفيات في وضع مريح. ولكنه سيناريو يتطلب تضحيات كبيرة ومن شأنه أن يؤثر بشدة على الاقتصاد، كما أنه لن يمنع وقوع موجة ثانية من نازلة كورونا بمجرد رفع الحجر عن الناس، إلا أنها قد لا تكون شديدة. السيناريو الثالث وهو المرغوب الآن في كل العالم، يفترض اتخاذ تدابير صحية مريحة وبالتدريج، اعتبارا من الأسبوع الفائت كما في سويسرا مثلاً، وهو تاريخ بدء رفع الحجر وإعادة فتح صالونات تصفيف الشعر وعيادات طب الأسنان والمطاعم وغيرها من الخدمات الأخرى، مع ضرورة زيادة توعية الناس بالاحترازات والاحتياطات اللازمة، لكن الناس مع الوقت تبدأ بالتراخي وترك المحاذير، وهذا التراخي من الممكن أن يؤدي إلى موجة ثانية أكثر أو أقل حدة مع بداية الصيف، وبالتالي ستجد المستشفيات وقد امتلأت بالمرضى!. أما السيناريو الرابع والأخير، يفترض الباحثان مجموعة من الإجراءات التقييدية الأقل صرامة، والتي لا تصل إلى الحجر الطبي العام، وهي عبارة عن قواعد محدودة في الزمان؛ كالحجر الصحي الفعال عند الإبلاغ عن حالات جديدة ونحو ذلك، ولكن يتطلب هذا السيناريو تعاونا تاما من المواطنين. والذي بدوره سيجعل المنحنى ثابتا مع مرور الوقت من دون انهيار المستشفيات، ولكنه سيستمر حتى فبراير من العام القادم 2021، حين يكون معظم السكان قد تعرضوا للفيروس، وبالتالي ينتهي الوباء. التسرع قد يجلب موجة ثانية مما سبق يتبين أن التسرع في اتخاذ الحكومات لقرارات التخفيف من القيود المفروضة على المجتمعات وأنشطة الناس الحياتية المتنوعة، قد تكون بعيدة عن الحكمة بعض الشيء. لا نختلف على صعوبة الوضع الحالي، سواء الاجتماعي أو النفسي أو الاقتصادي للدول والمجتمعات، على اعتبار جدة هذه النازلة، وعدم كفاية الخبرات البشرية الطبية في التعامل معها، وسرعة انتشارها وخطورتها في الوقت نفسه، ولكن كل هذه الأمور لا يجب أن تدعو أصحاب القرار في أي دولة بالعالم إلى التسرع وفك الحجر العام، باعتبار طبيعة البشر المتسرعة والرغبة للعودة إلى الحياة الطبيعية، مع ما يساير تلك الرغبة، استعداد وميل بشري لنسيان أو إن صح التعبير، تناسي ما مضى بسرعة كبيرة، وهي نقطة الخشية عند الجهات الصحية بالعالم. سنغافورة من الدول التي تعاملت مع النازلة منذ البداية بشكل جاد، وتمكنت من السيطرة وتجاوزت الموجة الأولى ولم تسجل إصابات كبيرة، عبر تبني نظام فحص وتتبع لمن خالطوا المصابين، لكنها مع إعادة الحياة إلى طبيعتها بعد ضغوط رجال العمال والتجار، تعرضت لموجة ثانية قاسية، وتسجيل ارتفاعات كبيرة في عدد الإصابات المحلية، ما دفع الحكومة إلى فرض تدابير أكثر شدة بينها إغلاق غالبية أماكن العمل. إذ بعد أن كانت الاصابات فيها منتصف فبراير في حدود 72 ومع سيطرتها وصلت الاصابات إلى حدود 226 إصابة. لكن مع فتح الحياة مرة أخرى وصلت الاصابات منتصف أبريل الفائت إلى 3699 إصابة، وحتى أمس الأربعاء سجلت 19000 إصابة. نموذج واحد يستدعي دراسته وتأمله قبل التفكير في إعادة الحياة إلى طبيعتها بسرعة غير محسوبة النتائج والتوابع. خلاصة الحديث هذه نازلة جديدة على البشر، ويبدو نتيجة لذلك، أن التعامل الجاد والصحيح حتى الآن معها كامن في مسألة البقاء بالمنازل والعمل عن بعد والابتعاد عن التجمعات، مع تطبيق صارم لمفهوم التباعد الاجتماعي وتقوية المناعة بالطرق الطبيعية المعروفة عبر الغذاء والممارسات الصحية الأخرى الذي لا يزال السادة الأطباء يكررونها في كل مناسبة، من نوم كاف في وقته، وطعام صحي والابتعاد عن مسببات التوتر وغيرها من نصائح، إلى حين نجاح جهة ما في انتاج لقاحات ضد هذا المرض. حينها يمكن البدء بالعودة للحياة بشكل متدرج بإذن الله. وقد يقول قائل: متى هو، قل عسى أن يكون ذلك قريبا. [email protected] -