12 سبتمبر 2025
تسجيلتعد ثقافة الاعتذار شحيحة في مجتمعاتنا العربية تبعا لعدد من الأسباب، وقد لا يكون التكبر سببا رئيسا لذلك، فالبيئة المحيطة والسمات المجتمعية تلعب دورا كبيرا في تشكيل ثقافة الاعتذار وممارستها على أرض الواقع، ولا يخفى على أحد طبيعة المجتمعات الصحراوية والنزعات القبلية التي تتحكم فيها أحيانا في نشوء حاجز بين بعض الناس يمنعهم من التنازل والاعتراف بالذنب، ورغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على من يبادر بالصلح فقال: (يعرض هذا ويعرض هذا، وخيركم من يبدأ بالسلام) ألا أن العادات القبلية تمددت حتى عصرنا هذا وطغت على أجمل ما جاء به الدين من قيم أخلاقية.كما أن الكثير ممن يخطئون يجهلون قيمة الاعتذار وتأثيره على النفس البشرية، وأن استمرار بعض العلاقات أحيانا قد يعتمد على كلمة (آسف أنا أخطأت) ورغم أن الناس جميعهم دون استثناء يخطئون في حقوق الآخرين، فهم عرضة لأن يخطأ الآخرون في حقهم، وكان الأفضل أن يسابق الإنسان بالاعتذار حتى يمكن من حوله من الاعتذار له عندما يخطئون في حقه، خاصة إذا كان لدى ذلك الإنسان سمات الشخصية الحساسة والتي قد تتأثر كثيرا جراء الخطأ وتستجيب بشكل جميل في حالة الاعتذار، وحتى مع أولادنا ومن هم أصغر منا، لا حرج في أن أقدم اعتذاري مكللا بالحب، فأكون بذلك قد علمته ثقافة الاعتذار منذ نعومة أظفاره وجنيت ثماره الطيبة باكرا.أضعف الإيمان هو الاعتراف بالذنب بعد ارتكاب الخطأ، وهو كما تعلمنا منذ الأزل فضيلة سامية تتبع الأذى فتمسح آثاره وتغسل القلوب قبل أن تتراكم فيها الكراهية، قد نجد أن كثير من الناس لا يعترف بأخطائه لأن إشكاليته تكمن بأنه لا يعرف كيف سيتعامل مع الآخرين بعد ذلك الاعتراف، فيكون عليه تجاوز ذلك الحاجز النفسي الضخم بصعوبة بالغة، ولا يكون السبب دائما عناد ذلك الشخص أو استكباره على الاعتراف بخطئه، ومن هنا كان تحديد السبب الذي منع الشخص المخطئ من تقديم اعتذاره مطلب أساس يدفعنا إلى العفو عند المقدرة ما أمكن.إن الشخص الذي يقدم الاعتذار بطريقة راقية ويعترف بخطئه في حق من ظلمهم يجد لذلك حلاوة أكبر من حلاوة النصر، ومن هنا كان لا بد أن يسعى الإنسان لفهم نفسه واستبصاره بذاته حتى يعرف العوائق التي تحول بينه وبين ذلك الاعتراف، ثم التعامل مع تلك الأسباب وعلاجها، وأنا أنصح ذلك الإنسان الذي لا يجد في نفسه إقداما على الاعتراف بأن يقدم اعتذاره بين يدي إنسان فاضل ونبيل، ثم ينظر كيف تكون ردة فعله الطيبة والتي قد تساعده علي تجاوز تلك المشاعر السلبية التي تمنعه من هذا الاعتراف، وسيجد صداها ذلك كردة فعل جميلة تنعكس في ذاته، ثم يبدأ يتعود على ذلك تدريجيا عند زوجته وغيرها من المحبين داخل دائرته، حتى يتعلم ذلك الأسلوب في التعامل مع الناس الأبعد فالأبعد عن دائرته المحيطة، وبذلك يدير ذلك الشخص حتى الأشخاص السلبيين من حوله.رحم الله امرءا أهدى إلى عيوبي، كلمة نسمعها على المنابر ونتلذذ بها، ويعلمنا إياها بعض العلماء، لكننا على أرض الواقع، لسان حالنا يقول إياك أن تلمس طرف ثوبنا، وإياك أن تنتقدنا، وأنا قول كفانا تعلم سلوكيات الدين دون أن نتعلم قيمه، وكفى بنا تعلم ممارسات هذا الدين دون نتعلم مبادئه ومعانيه الجميلة.فالإنسان الذي لم يتعلم معاني الدين ولا مبادئه والقيم المثلى منه، سيكون تأثير الدين ضعيفا في سلوكياته، وبالتالي نجد سلوكه قصيرا وينضب مع الوقت حتى ينتهي تماما وهذا ما يعرف بالتدين السلوكي الذي لا روح فيه ولا ديمومة له، أو تجده ضعيفا في ممارسته للدين، وربما يرفع صوته وينادي بتطبيق تلك القيم لكنه على ارض الواقع مقصر أيما تقصير.لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم متمما مكارم الأخلاق وحاثا عليها واعتبرها جزء لا يتجزأ من هذا الدين العظيم، فانشغل أيها الإنسان ببناء القيم والمعاني والمبادئ من رحيق هذا الدين ستجد آثارها في سلوكياتك وستجد قيمة لنفسك وتشعر برضا تتجاوز به الوجود وتشعر بروحانية تطير بك إلى السماء.