31 أكتوبر 2025

تسجيل

رحل بن لادن.. ماذا عن المحافظين الجدد؟

07 مايو 2011

حظي مقتل زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن بتغطية واسعة من جميع وسائل الإعلام العربية والدولية وهو يستحق ذلك لما كان له من دور- شاء ذلك أم لم يشأ - في تغيير خريطة العلاقات الدولية، وإدخال مفردات جديدة في عالم السياسة مثل “الإرهاب” و”العنف” و” الإسلام المتشدد” و”دول محور الشر” وغيرها من مفردات تمت استعارتها من المصطلحات الدينية قبل أن يتم إسقاطها على عالم السياسة. وقد نجح الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في تبني هذه المصطلحات وتعامل معها كمسلمات لا تحتمل الخطأ، فأنشأ إستراتجية “الهجوم الاستباقي” وجعلها أساس علاقات بلاده بالدول الأخرى على قاعدة “ من ليس معنا فهو ضدنا”، وهي معادلة ربما تصح في أي مجال يعمل فيه المرء إلا في “علم السياسة” الذي يقوم أساساً على التفاوض والمرونة وسرعة التغيير في المواقف طالما أن الهدف الأساسي هو تحقيق أكبر قدر من المصالح بأقل ما يمكن من التنازلات. وقد استفاد بوش بحملته على القاعدة وما كانت تقدمه له من أفعال ليتخذها ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وحتى انتهاك سيادتها، وما حصل من هجوم عسكري على منزل بن لادن دون علم الحكومة الباكستانية إلاّ دليلاً عن السيادة التي نتحدث عنها. رحل بن لادن عن عالمنا بجسده، وكان على وشك الرحيل بفكره أصلاً بعد أن نجحت الثورات السلمية في مصر وتونس في إنجاز أهدافها بعيداً عن لغة العنف والدماء وفرز المجتمعات ما بين “دار حرب” و”دار إسلام”، أو فرز الأفراد على أساس “الولاء والبراء”.. فقد برهنت الثورة المصرية أن الشعوب العربية ناضجة أكثر مما كان يتخيل صموئيل هنتجتون مروج فكرة صراع الحضارات في القرن الحادي والعشرين. وقد بدت أكثر استعدادا وتقبلاً للديمقراطية، فالمراهنة على صراع الحضارات فشل ولولا وقوف الأقباط المسيحيين إلى جانب إخوانهم المسلمين لما كتب لثورة مصر الحياة. بل إن الشعارات التي تحمل في الثورات العربية اليوم هي الحرية والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة خلافاً للشعارات التي تنادي بها القاعدة وأخواتها، وقد بدا الشارع العربي حريصاً على إنشاء الدولة المدنية لا الدينية، مستلهماً التجربة التركية أكثر مما تلهمه الثورة الإيرانية. ومع رحيل بن لادن يتوجب على الولايات المتحدة أن تتخلص من لغة الاستعمار والاستكبار والتعالي وأن تتخلى عن منصبها “شرطي العالم” وأن تحدّ من دعمها للديكتاتوريات العربية، فما أثبتته الوقائع هو أن العنف يولد العنف، ولولا الاستعمار السوفيتي لما وجد تنظيم القاعدة، ولولا البلطجية الأمريكية في دعم النظم الفاسدة لما تحولت أفكار القاعدة من محاربة العدو القريب إلى محاربة العدو البعيد ورأس الأفعى فيه هي الولايات المتحدة. كما عليها، أن تعرف أكثر عن شعوب المنطقة، وأن تكفّ عن التنظير بالقيم العالمية في الوقت الذي تغض فيه النظر عن فساد النظم العربية بل وتدعمها انطلاقاً من مسلمة لا برهان عليها أصلا، مفادها: “الاستقرار مقدم على قيم الديمقراطية والحرية”. إذ أن الحقيقة اليوم تؤكد أن الاستقرار أساسه الديمقراطية ولا يمكن الفكاك بينهما، ولكل متشكك عليه أن يسأل ما إذا كان احتلال العراق وأفغانستان جلب الأمن والأمان للولايات المتحدة ولشعوب المنطقة! وإذا كان الغرب يريد استئصال القاعدة وليس رأس بن لادن فقط، فعليه أن يكف عن دعم إسرائيل في اعتداءاتها اليومية على كل ما هو فلسطيني من تاريخ وجغرافيا وإنسان.. فلسطين التي لأجلها أطلق بن لادن قولته الشهيرة “ لن ينعم الغرب بالأمن ما لم ينعم به الفلسطينيون”، هي نفسها فلسطين التي اتخذتها النظم العربية شماعة لفرض حالة الطوارئ ومصادرة الحريات وعدم تحقيق نمو اقتصادي معقول بحجة التهيؤ لمواجه عدو، تثبت الأيام أنه لم يكن هو العدو الحقيقي لهذه النظم بل شعوبها. رحل بن لادن، وكان ينبغي أن يرحل لأنه كان ينتمي إلى التاريخ وليس إلى الحاضر، وما ينطبق على بن لادن ينطبق على المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، مع الفارق طبعاً بين رجل نذر نفسه لدينه ومبادئه وبين مجموعات كانت تريد الاستيلاء على مقدرات وثروات الشعوب بما توفر لديها من أساليب قذرة.