فلنترك التطفل!.

كم في هذا الحديث من مشهد! وكم فيه من فقه لمعانيه لو أتينا عليها في واقعنا!. وكم فيه من اهتمام الشريعة بالإنسان ولمصالحه!. وكم فيه من تهذيب وتأديب للنفس وإبعادها عن السفاسف والنقائص ورذائل الأمور! وكم فيه من المباهج حريٌّ بنا أن نسلكها ونفقهها! وكم فيه من أدب وذوقيات!. وكم فيه من قيمة يحملها لنا في الحث على اشتغال الإنسان فيما يعنيه من شؤون دينه ودنياه، فهذا هو الاستثمار والسير الصحيح!. وكم أخذت منا منصات التواصل من أوقات في متابعة هذا وذاك وتداول الأخبار والأحاديث والمقاطع التي لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد!. وكم في الترك من راحة بال! فديننا الحق يرعى حركة وقيم الإنسان في حاضره ومستقبله، ويوجهه إلى ما ينفعه، فإن الحياة في ظلال الإسلام نعمة، والعيش مع أخلاقياته وقيمه صفاء وهدوء وإشراقات ومنارات، وما هذا الحديث إلا في هذا المعنى. هذا الحديث الشريف من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وما أكثر جوامع الكلم، وهنا نأتي على مشاهد من حديثه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حُسنِ إسلام المرءِ تَركُهُ ما لا يعنيه". فمن مشاهده وجمالياته ومعانيه وصوره:- * قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم "هذا الحديث أصل من أصول الأدب". * وعن الإمام الحافظ حمزة الكناني رحمه الله قال "هذا الحديث ثلث الإسلام". * وذكر الإمام الصنعاني رحمه الله "أن هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، يعمُّ الأقوال، ويعمُّ الأفعال". * وللإمام ابن القيم رحمه الله كلام قيم بديع في مدارج السالكين حول هذا الحديث "وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال "من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه"، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة". * وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله "كلامه هذا صلى الله عليه وسلم من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة، وهو ما لم يقُلْه أحد قبله". * وقال الإمام الشافعي رحمه الله "ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني". * وجاء عن معروف الكرخي رحمه الله "كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى". * ومن جميل وروائع الحكايات (حكاية الصحن المغطّى) "حملت صبية صحناً مغطّى، فرآها رجل في الطريق فسألها، ماذا تحملين يا صبية؟ فأجابت: لو أرادت أمي أن يعرف الناس ما في الصحن لما غطته". متطفلون حتى في الطرقات، وما رأيك وما تقول عن المتطفلين في المجالس والمؤسسات وفي منصات التواصل الاجتماعي؟. طفيليات تتحرك معنا. اللهم سلّم!. * وصدق الشاعر عمر الخيام رحمه الله قائلاً: صاحب من الناس كبار العقول واترك الجهال أهل الفضول واشـرب نـقـيع السـم مـن عاقلٍ واسكب على الأرض دواء الجهول حديث بهذه المشاهد والمعاني الكثيرة، جميل أن نسير عليه ونحيا به، ونسلكه في حياتنا ونخطه في واقعنا عملاً وقولاً وسلوكاً، يسير عليه الرجال والنساء، الكبار والصغار، وجميع المستويات، فكم في الترك فيما لا يعنينا من هدوء واستقامة قلب، وراحة عقل!. فهل نُدرك هذا المعنى ونأتي عليه؟ أم نأتي على التطفل ونسير مع أهله!؟. "ومضة" ما أكثر أهل التطفل في زماننا! وما التطفل إلا طفيليات تعيش بيننا.