18 سبتمبر 2025
تسجيلفي ضوء الانتشار السريع لعدوى فيروس كورونا المستجد في العالم تتسابق شركات الأدوية لانتاج لقاح يقضي على هذا الفيروس، ووفقاً لموقع الجزيرة (بتاريخ 17/03/2020م) أعلن المعهد القومي الأمريكي للأمراض المعدية والحساسية أن المرحلة الأولى لاختبار اللقاح بدأت بسرعة قياسية، كما ذكرت تقارير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعى لاحتكار لقاح آخر يتم تطويره في ألمانيا. ويثير هذا التسابق تساؤلات عدة حول المشروعية القانونية للقاح، ومدى نجاعته عند طرحه للعموم، فقد نشر موقع بي بي سي بتاريخ 17/03/2020م خبراً حول قيام الولايات المتحدة بأول تجربة بشرية لانتاج لقاح يقاوم هذا الوباء، فما هي الشروط القانونية لاجراء هذا النوع من التجارب؟ وضعت محاكمات نورمبيرغ الشهيرة 1947م حجر الأساس للقواعد الأخلاقية لاجراء التجارب الطبية، وذلك بعد الأعمال النازية الوحشية التي قضت على قيمة حياة الانسان وصادرت حريته باعتباره غرضاً للاختبار، فقد قام باحثون نازيون بتجارب طبية على مدنيين وأعضاء من القوات المسلحة للحلفاء بعد احتجازهم في مخيمات مكثفة، وقد تسبب ذلك في ارتكابهم لجرائم قتل وتعذيب وأعمال وحشية أخرى غير انسانية. وقد تضمنت هذه التجارب اجبار أشخاص بوضعهم في خزان ملئ بالماء المجمد لمدة ثلاث ساعات، وحقن بعضهم بأمراض الملاريا لبحث نظام المناعة لديهم، كما حُقن آخرون - بعد جرحهم - بالبكتيريا العقدية وغاز الغرغرينا والكزاز، بالاضافة الى اطلاق رصاصات سامة على بعضهم مما تسبب بقتلهم على الفور وذلك بهدف تشريح جثثهم واجراء مزيد من البحوث عليها. ويرى كثير من الباحثين أن هذه التجارب لم تضف أي قيمة علمية مؤثرة أو ذات قيمة للطب، وقد ظهر بعد محاكماتهم في الولايات المتحدة ما يعرف بكود نورمبيرغ الذي وضع معايير التجارب الطبية. وقد اختلف الفقه والقضاء حول مشروعية التجارب الطبية التي تقوم بها المؤسسات البحثية والطبية وشركات الأدوية على البشر، فسلامة جسم الانسان من النظام العام ولا يجوز المساس بها ذلك أنها ليست مختبراً أو حقلاً للتجارب، وقد ظهرت عدة اتجاهات، حاربت بعضها التجارب الطبية المحضة، وأيدها اتجاه آخر. ويرى الاتجاه الأول أن التجارب الطبية التي لا تهدف الى شفاء المريض أو تحسين حالته الصحية غير جائزة، وان كانت تهدف الى تقدم العلوم الطبية أو كانت علاجات جديدة لأمراض خطيرة، ولو كانت برضا الشخص الخاضع للتجربة، وذلك لأن الرضا لا يتم اعتباره عند مخالفته للنظام العام حيث ان سلامة جسم الانسان تعد من الصحة العامة التي تندرج ضمن النظام العام. ويقول الدكتور محمد فائق الجوهري: "لا يجوز للطبيب أن يجعل مريضه موضوعاً لتجاربه واختباراته لمجرد الفضول العلمي ومحض الغرام بالفن ولكي يستند الى حساب مريضه في دراسته الخاصة وأبحاثه العلمية" ويتزعم هذا الاتجاه الفقه والقضاء في فرنسا. أما الاتجاه الآخر فيذهب الى أن أية تجارب تجرى على شخص قبل بها وبالمخاطر التي قد تتأتى منها تكون مباحة طالما كانت تهدف الى تحقيق غاية علمية سواء نجحت أم لم تنجح مادام أن اجراءها كان حسب الأصول الطبية المقررة، وحتى لولم تكن تهدف الى شفاء مريض، وانما كانت الغاية فيها هي غاية علمية محضة، وقد تزعم هذا الاتجاه الفقه والتشريع الألمانيين. ويمكن لنا أن نتنبأ مما سبق، أن التشريع الألماني لديه أفضلية في أوروبا فيما يتعلق باجراء التجارب الطبية للقاح فيروس كورونا المستجد، وبغض النظر عن الجرائم النازية التي وقعت بها سابقاً، لقد عُرفت ألمانيا بالبحوث الطبية والاختراعات والاكتشافات لعدد من الأدوية التي ساهمت في تطور علم الطب، ولعل ما ساهم في ذلك التشريعات المنفتحة على التجارب الطبية. وعلى الرغم من الأضرار المجهولة التي قد تتسبب بها هذه الأدوية والتجارب الطبية، الا أن البشرية لا يمكنها الاستغناء عن التجارب الطبية ولا تنكر فضلها في تطور هذا العلم، ويقر بها الفقهاء القانونيون واستقر القضاء على ضرورتها حتى وان وضعوا قيوداً عليها وصنفوها بين تجارب علمية محضة وتجارب لانقاذ مريض استنفد طرق العلاج المتوفرة، ففي حين اتجه البعض منهم بعدم جواز الأولى منها، أباحها البعض الآخر - كما رأينا - الا أن غالبيتهم اتفقوا على جواز الأخيرة. وقد وضع الفقه عدة معايير وشروط لاجراء التجارب الطبية أرست أساساتها فيما يسمى بكود نورمبيرغ 1947 واعلان هلنسكي في عام 1964 وهي كالآتي: 1- أن يكون في اجراء التجربة الطبية نتائج مثمرة ومنفعة علمية لصالح البشرية وتقدم علم الطب، كأن يكون فيه خلاص من مرض أو وباء فتاك أو غيره. 2- حصول الطبيب المشرف على التجربة على رضا المريض الحر المستنير، بعد تبصيره بالمخاطر الجسيمة والهدف منها، على أن يكون مكتوباً. 3- للمريض أو لأقاربه حرية العدول عن الرضا أو ايقاف التجربة بعد البدء بها، وعلى القائم بالتجربة بذل العناية اللازمة للحفاظ على سلامة جسم المريض. 4- أن تجرى التجربة الطبية على الحيوانات أولاً ثم على الانسان حتى يتم التأكد من فرص الشفاء بشكل واضح. 5- أن تتجنب التجربة أية أضرار أو آلام مادية أو عقلية غير ضرورية، وألا تتعدى خطورتها. 6- أن يكون الطبيب القائم على التجربة مؤهلا يملك أعلى درجة من المهارات والعناية في كل مراحل التجربة. 7- ويجب على القائمين على التجربة انهاؤها في أي مرحلة اذا كان يعتقد بحسن نية ووفقاً لمهاراته التي يمتلكها وتقديره أن الاستمرار فيها سيؤدي غالباً الى اصابة أو اعاقة أو وفاة موضوع التجربة. أما الولايات المتحدة شأنها شأن جمهورية ألمانيا الاتحادية فقد أباحت التجارب الطبية بشرط حصول الجهة القائمة على الاختبار الطبي بترخيص من وكالة الغذاء والدواء (FDA) لاقامتها، وأن تكون تحت رقابتها، ووفقاً للشروط والضوابط التي تضعها. غير أن القضاء في بعض الولايات يتشدد في اقامة المسؤولية على التجارب الطبية، وان لم يقع ضرر على الخاضع للتجربة! ففي عام 2000 تمكن محام في فلوريدا من الحصول على تسوية من جامعة ساوث فلوريدا ومستشفى تامبا العام بلغت قيمتها 3.8 مليون دولار أمريكي في دعوى رفعها بسبب قيامهم بتجربة دواء ذي مخاطر عالية على جنين امرأة، دون اخبارها بأن الدواء كان تجريبياً ولم يبينوا لها حقها في رفض العلاج وادعت بأن نموذج الموافقة كان فوق مستوى قراءتها، على الرغم من أنه لم يثبت وقوع أي ضرر، بل بالعكس تماماً فقد أثبتت الدراسة أن الدواء كان مفيداً لرئة الطفل. والسؤال الذي يطرح في هذا الموضع، هل ستتم مراعاة هذه الشروط والمعايير قبل طرح لقاح فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في الأسواق؟ وماذا لو كانت هذه اللقاحات تتضمن مخاطر أو أضرارا جانبية؟ فهل تتحملها هذه الشركات؟ أم أن الوضع المتفاقم والظروف الراهنة تبيح لهذه الشركات أن تتخطى بعض المراحل التجريبية للقاح حتى تستطيع اللحاق بركب انتشار الفيروس المستجد في أقل وقت؟ هذه تساؤلات قد نحصل على أجوبة لها وقد لا نحصل عليها، فمع التطور الطبي أصبح اسناد الخطأ في الأدوية واللقاحات صعباً يمر في عدة مراحل، فقد يقع الخطأ بسبب التصنيع، وقد يحدث بسبب سوء النقل أو التخزين، وقد يتسبب به الصيدلي كما قد يقع من الطبيب، وقد أثبتت الدراسات أن السبب الرابع لوفيات الأشخاص في الولاية المتحدة الأمريكية كانت الأخطاء الطبية اذ تراوح عدد المتوفين بين 44 ألفا الى 98 ألف متوفٍ خلال الفترة من سنة 1999 الى 2003، وهو ما كلف خزانة الدولة خسائر بلغت 450 مليارا سنويا. وقد أثبتت الدراسات أن الأخطاء الدوائية كانت رابع سبب لوفيات الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية التي يتراوح عددها من 44 ألفاً الى 98 ألف متوفى سنوياً خلال الفترة من سنة 1999 الى 2003 في الولايات المتحدة، التي بلغت خسائرها 450 مليار دولار سنوياً بسبب الأخطاء الدوائية.