10 سبتمبر 2025

تسجيل

الرأي العام في عصر الفضاء الرقمي (2)

07 أبريل 2018

أدى انتشار التكنولوجيات الرقمية في العالم العربي إلى مساحات سياسية كبيرة للنقاش والحوار والاختلاف والنشاط السياسي والنضال والاندماج. إلى أي مدى استطاعت البيئة الإعلامية والاتصالية الجديدة وتستطيع مستقبلاً إفراز سياسة بديلة عن تلك التي سادت لعقود من الزمن وستستطيع أن تحدث التغيير الاجتماعي؟ ما هو الجديد في الإعلام الجديد وبخاصة الشبكات الاجتماعية وكيف استخدم الناشطون والشباب والمتظاهرون والمحتجون والمهمشون والطبالون وغيرهم الإعلام الجديد للنقاش والحوار والتوعية والتعبئة والتجنيد والمظاهرات والاحتجاجات لتغيير الأوضاع والاستجابة لمطالبهم؟. كيف تعاملت السلطة مع الإعلام الجديد وهل نجحت في تكميمه؟ من أهم المواصفات التي تميز شبكات التواصل الاجتماعي هي أن المحتوى يصنعه الزوار والمتصفحون، فالتطورات الجديدة التي شهدتها شبكة الانترنت أدت إلى نقلة كبيرة في عالم التواصل عبر الانترنت. وعلى عكس الإعلام التقليدي، فإن الإعلام الجديد أدخل مفاهيم وآليات جديدة في عالم الاتصال، حيث إن نموذج هارولد لاسوال — المرسل والمستقبل والوسيلة والرسالة ورجع الصدى — أصبح لا يفي بالغرض لفهم العملية الاتصالية، وحتى نظريات حارس البوابة وتحديد الأجندة وغيرها أصبحت غير صالحة لشرح البيئة الجديدة للتواصل الاجتماعي. ففي هذه البيئة أصبح المستقبل هو المرسل وهو صانع الرسالة الإعلامية وأصبح هو حارس البوابة ينتقي ما يحلو له ويتصفح ما يلبي رغباته ويتغاضى عما لا يعجبه. فحرية النشر والرأي مضمونة في الشبكات الاجتماعية وهذا ما يوفر جو النقاش والحوار والاختلاف وما يفرز في نهاية المطاف السوق الحرة للأفكار. وهنا نلاحظ التواصل الفعال بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حيث تجمعهم اهتمامات مشتركة ومشاكل مشتركة وقضايا تشغل بالهم. أضف إلى ذلك أن المستخدم يختار ويتحكم في المحتوى المعروض، لأن مستخدمي الموقع يختارون بعضهم بعضا ويعرفون بعضهم ويتعارفون أكثر بعد الاستخدام والتواصل الفعال بينهم. هذا ما يؤدي إلى تفاعلية وإلى مشاركة فعالة تثري النقاش والحوار وتقدم أفكارا خلاقة وممتازة. لا يوجد هناك مجالا للشك أن الشبكات الاجتماعية لعبت دورا محوريا في الثورات التي هزت الوطن العربي منذ نهاية ديسمبر 2010. فالإعلام الجديد وفر وسائل وإمكانيات معتبرة للناشطين السياسيين لاختراق الوسائل والطرق المختلفة التي كانت تستعملها السلطة للتعتيم والتكميم وإسكات من يحاول الخروج عن طاعتها وإرادتها. ساعد الإعلام الجديد على إدخال التفاعلية والسرعة بين المشاركين في الفضاء العام الإلكتروني، الأمر الذي كان غير ممكن في زمن البرقيات والفاكس والهاتف. فالوسائل الجديدة سمحت بتدويل القضية وبإيصال صوت الفقراء والمهمشين والشباب العاطل عن العمل إلى أرجاء العالم المختلفة. شباب الثورات العربية استطاعوا أن يتواصلوا مع بعضهم البعض ليس داخل حدود بلدهم فقط، بل في الدول العربية والعالم بأسره واستطاعوا أن يكسبوا تعاطف وتضامن مواطنيهم المغتربين في دول العالم. فالإعلام الجديد قام بتعبئة الجماهير ووفر الفرصة للمتظاهرين والمحتجين بنشر موجات من النصوص والفيديوهات والصور مباشرة من ساحات وميادين الثورة إلى الملايين وبطريقة غير مباشرة إلى شبكات الأخبار العالمية مثل "سي إن إن، وبي بي سي، والجزيرة والعربية" ونظرا لهذه الميزات والتي تتمثل أساسا في القدرة على إرسال رسائل إلى جماهير عالمية عريضة يمكن اعتبار الشبكات الاجتماعية مصدرا رئيسيا مهما للعمل المشترك والتغيير الاجتماعي. إن الدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا في السنوات الماضية يشير إلى بروز نمط جديد من التواصل والتفاعل بين مكونات الشعب لتحقيق مطالبه المشتركة. فالإعلام الجديد أفرز فضاءً عاما اجتمعت فيه القوى الشعبية للإطاحة بالأنظمة الفاسدة والطاغية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيستمر هذا الفضاء لتحقيق أهداف الثورة في المستقبل من خلال مرحلة انتقالية تهدف إلى بناء الركائز والدعائم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة؟ وهذا هو التحدي الأكبر لأن الإطاحة بالأنظمة الفاسدة ما هي إلا مرحلة أولى لا تعني شيئا إن لم تكملها مرحلة ثانية توفر فرص العمل والديمقراطية والشفافية والحرية والعدالة الاجتماعية. هل ستتوقف مهام الشبكات الاجتماعية عند التعبئة فقط، أم أن هناك فرصا جديدة يجب استثمارها واكتشافها لتوظيف هذه الشبكات في تحقيق التنمية المستدامة والحكم الراشد. أم أن هذه المهمة هي من اختصاص أهل السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني والمنظومة الإعلامية؟ تحديات كبيرة تنتظر من يريد التغيير وتوفير العيش الكريم لأفراد المجتمع وخاصة الشباب العاطل عن العمل والمتعطش للتمتع بحقه في حياة كريمة وشريفة. من جهة أخرى نلاحظ من أطلق على شبكات التواصل الاجتماعي "شبكات الانفصال الاجتماعي" أو "شبكات الاغتراب الاجتماعي" وهذا نظرا لقضاء مثل هذه الشبكات على الكثير من مقومات الاتصال الإنساني ومن الموضوعية والأخلاق والنزاهة والالتزام. فإذا كانت هذه التكنولوجيات الحديثة تتميز بإيجابيات وبأشياء جديدة وكثيرة أضافتها للفضاء الاتصالي الإنساني، فإنها من جهة أخرى تم استغلالها في أشياء أساءت أكثر مما أفادت الانسان. وإذا قيمنا التجربة على المستوى العربي نجد أن أنظمة الحكم ما زالت تسيطر بطريقة أو بأخرى على قنوات الاتصال الرسمي وعلى السيطرة على مفاتيح الرأي العام وكذلك مضايقة نشطاء محطات التواصل الاجتماعي سواء عن طريق المحاكمات التعسفية أو السجن أو في بعض الأحيان التصفيات الجسدية. من سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي كذلك التضليل والتلاعب والتحريف والتشويه. على الصعيد الشخصي والإنساني نلاحظ العزلة والانجراف نحو عالم افتراضي بعيدا عن الواقع. هذه الشبكات أصبحت منصات لنشر أفكار هدامة وثقافات الإباحية والمجون وانتهاك خصوصية الفرد. لا ننسى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من قبل "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية التي أتقنت جيدا استخدامها لجمع الأموال والتجنيد ونشر أيديولوجياتها بكل مهنية وحرفية.