20 سبتمبر 2025

تسجيل

 الموسيقار عبدالعزيز ناصر .. وللعبقريّة عنوان (5)

07 أبريل 2018

سيسجل له التاريخ بأحرف من نور دوره الريادي في الحفاظ على هوية الأغنية القطرية مجلسه الخاص كان بمثابة الصالون الثقافي للحديث حول مجمل قضايا الساعة وهموم الأمة نعم لقد كان عبدالعزيز ناصر من أعلام العصر الحديث الذين حافظوا على شكل هوية الأغنية المحلية ولم يجعلها تتلوث بالموجات الدخيلة على مجتمعات الخليج في الفترة التي عاشها مع دخوله مجال الفن والتلحين منذ الستينيات وحتى الألفية الثالثة، فأصبح هو الملحن الأول الذي ارتقى بالأغنية لكي تأخذ مكانتها المرموقة من بين دول الخليج الأخرى، التي كانت أغانيها مزدهرة خلال ذلك العصر الزاهر، خاصة مع تطور الأغنية الكويتية والسعودية بشكل خاص. كل ذلك جعل من عبقرية عبدالعزيز ناصر شخصية شاهدة على عصر هذا المبدع الذي سيسجل له التاريخ خطواته الاستباقية في توثيق وتحديث الموسيقى القطرية وأعمالها الخالدة في فترة امتدت إلى خمسة عقود من الزمان، كان فيها رائدا ومجددا ومجاهدا في إحياء الأغنية القطرية في شتى مجالاتها، وموضوعاتها الفنية. ثقافة عبدالعزيز ناصر الدينية: لعل ثقافة عبدالعزيز ناصر الدينية وتمسكه بقيم هذا الدين جعل شحصيته أكثر وعيا وتعلقا بهذا الدين، وذلك عبر صلاته والمحافظة عليها باستمرار وعدم الانقطاع عنها، إلى جانب قراءته المستمرة للقرآن الكريم الذي أكسبه ثقافة لا تنقطع أبدا عن ما يفرضه عليه ضميره في مجال العبادة، هذا إلى جانب أنه كان قارئا نهما لكتب التفاسير والأحاديث الدينية، منذ أن كان طالبا في القاهرة، وهو على مقاعد الدراسة، ولعل هذا الشيء أكسبه معرفة جديدة تضاف إلى العلوم التي تعلمها وأضافت لزاده الثقافي المزيد من المعلومات التي أثرت فيه فيما بعد على إبداعاته الفنية وصبغتها الدينية، ولذلك كان يسعى إلى أن يقدم بعض الألحان الدينية عن نبينا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو بعض التواشيح الدينية، هذا على سبيل المثال لا الحصر. مشروعه الكبير لتطوير الأغنية القطرية: أحدث عبدالعزيز ناصر نقلة نوعية كبيرة في تطوير الأغنية القطرية، خاصة أن ظهوره في فترة الستينيات مع فرقة الأضواء المسرحية والموسيقية كان أحد عوامل السعي لهذا التطوير وأتاح لهذه الأغنية أن يكون لها خطها المختلف عن غيرها الذي اشتهرت به فيما بعد، فالتجارب كانت موجودة في تلك الحقبة ولكنها كانت محدودة، مثل وجود بعض الفنانين الكبار في فن الصوت الشعبي والأغاني الشعبية الخفيفة والقصيرة، إلا أن عبدالعزيز أراد لها أن تكون أفضل عن سابق عهدها، فاستطاع بشخصيته الفذة أن يختط للأغنية القطرية أحد الأشكال الجديدة في مضمونها وطريقة أدائها وتجلى في انتقاء الكلمات والأشعار التي كانت تؤدى، فاكتشف وقدم بعض الأصوات القطرية الشابة التي قدمها للمجتمع في فترة السبعينيات، وواصل مسيرة اكتشاف هذه الأصوات بعد السبعينيات ومن ثم في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واستمر في ذلك العمل الوطني الممنهج في خدمة مشروع الأغنية القطرية بلا كلل أو ملل رغم وجود الكثير من التحديات في ذلك الوقت. منزله بمثابة الصالون الثقافي: كان مجلس عبدالعزيز ناصر الأسبوعي بمثابة الصالون الثقافي الذي يناقش كافة قضايا وهموم المثقفين وأوجاع المجتمع العربي والإسلامي في تلك الفترة، خاصة السياسية منها وكذلك الثقافية والإعلامية والاجتماعية إلى جانب الشأن المحلي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ناقش قضايا الإنسان والإنسانية التي تشمل المجتمع البشري وقضاياه الساخنة بشكل عام في تلك الفترة، وهذا الحضور والنقاش لكافة الهموم والقضايا جعل من شخصية عبدالعزيز ناصر شخصية فريدة من نوعها في تلاقي جميع الأفكار والآراء داخل هذا الصالون الأسبوعي، وقد كان الجميع يسعد بوجود عبدالعزيز في هذا المكان الذي كان بمثابة المحتضن لكل الاتجاهات التي يبوح بها الأصدقاء ومن يحب الجلوس معه في هذا الصالون الجميل. ملامسته للتراث القطري والعربي: وعندما نتطرق إلى الأغنية القطرية التراثية سنجد أن عبدالعزيز ناصر يكاد يكون الموسيقار والملحن القطري الأول الذي كان يتصدى للأغنية التراثية والفولكلور القطري الذي كان يعاني الإهمال والتهميش قبل ظهور عبدالعزيز على الساحة، كما أن البيئة التي عاش فيها من خلال "حي الجسرة " كانت من العوامل المساعدة على تبلور شخصيته الإبداعية في الموسيقى التي عشقت التراث، فتفنن في ألحانه عبر إبداعاته الجميلة والرائعة التي غدت اليوم بمثابة النماذج التي يفخر بها كل مواطن؛ كونها حافظت على شكل الأغنية التراثية القديم وصانته من الاندثار. يستحق لقب "فيلسوف": يجزم الكثير من النقاد والمحللين لشخصية عبدالعزيز ناصر بأنه كان يشكل مرحلة من مراحل ظهور نابغة في الموسيقى القطرية، ولذلك أطلق عليه البعض لقب "الفيلسوف" الذي كانت له رؤيته الخاصة في هذه الحياة التي كانت مليئة الأفكار النيرة للارتقاء بالمجتمع القطري والعربي في مجال الموسيقى أولا، وبثقافة المجتمع ثانيا؛ لأن الموسيقى كما كان يعتقد ويظن هي "غذاء للروح" إذا أُحسن استغلالها وتقديمها للناس بالشكل الراقي الذي يهدف دائما إلى تنمية الذوق الأدبي والفني لدى الجمهور. كلمة أخيرة: في الختام، لا يمكن لأي شخص أن ينسى تلك الجهود المضنية التي قدمها الموسيقار العبقري عبدالعزيز ناصر آل عبيدان في سبيل جعل الأغنية القطرية في الصدارة دائما، بل كانت خلال مشواره الفني مع التلحين شامخة، كما هو العهد بها حتى رحيله في عام 2016م، وستبقى بإذن الله تعالى محافظة على تصدرها ومنافستها مشهد الأغنية الخليجية، والفضل يعود لمن طورها وحافظ على هويتها من الضياع.