14 سبتمبر 2025

تسجيل

الغرب وثوراتنا العربية؟

07 أبريل 2016

تعتبر ثورات الربيع العربي من أطهر وأنقى حراكات الأمة عبر تاريخها وبالنظر لتحدياتها ، فقد رممت صورة الأمة وأعادت الاعتبار لهويتها كأمة تحب الحرية وتعشق التقدم وتحرص على العدالة ولديها الاستعداد للإقدام والمخاطرة ولديها جوامع فكرية وسياسية واجتماعية ومبادئ ثابتة لا يؤثر فيها حيف ومسخ وتخريب وإفساد واستبداد عشرات السنين .. لكن أعداء هذه الثورات والمنقلبون عليها يروجون بأنها تستهدفهم لأنهم وطنيون أقحاح ولأنهم قوميون صحاح !! وأنها تلك " الفوضى الخلاقة " التي توعدت بها " كوندوليزا رايس " ذات مرة .. ما يطرح سؤالا جوهريا حول علاقة الغرب بهذه الثورات خاصة وأنه – الغرب - يلعب لعبة تضليل ذكية بتسريب مقصود وتصريح ملغوم .. إلخ .. لذا سأحاول – في هذا المقال - وبقليل من التفصيل وكثير من الإيجاز توضيح نظرة الغرب لهذه الثورات وكيفية مواجهته لها استمرارا منه في دعم تلك النظم التي صنّعها على عينه وأرضعها لبانه .. وأقول :لنتذكر أن الحالة العربية كانت مهيأة للثورة بفعل أربعة عوامل تتعلق بماهية النظم من ناحية ثم بنوعية الأمة من ناحية أخرى ؛ أما ما يتعلق بنوعية الأمة فهو ثقافتها التي تقوم على رفض الطاغوت ؛ فبوابة الدخول للإسلام هي كلمة ( لا إله إلا الله ) ف " لا " النافية وقعت قبل " إلا " المثبِتة ، ومثل ذلك في الآي الحكيم ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) هذا المفهوم الاعتراضي على الطاغوت تأصل وتأكد بالنصوص الكثيرة وباتجاه التشريع وهو ليس مجرد فكرة عائمة في ذهن مفكر ولكنه مبثوث في تاريخ لأكثر من 1300 سنة بعد النبوة ؛ ولعل غزة وصمودها تحت حصار عشر سنين وإفشالها أربعة حروب أقرب شاهد على ذلك .. وأما من جهة النظم فعوامل الثورة ( ثلاثي الفساد والاستبداد والتقزيم ) بالأخص ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات الخارجية ، فانطلقت الثورات إذ توافرت شرارة الانطلاق .نعود لعلاقة الغرب بالثورات والثورات المضادة ؛ فالغرب الذي هو صانع النظم والمستفيد منها لم يكن ليقبل بثورة عليها تضيع عليه استراتيجية طالما بنى عليها ؛ ولكن هل يقف في وجه الشعوب صراحة ومباشرة بجولة صراع تنتهي بالغلب وافتضاح نفاق السنين الطوال ؟ فأين إذن التدبير وأين دهاء السياسة ؟ لذلك وجدنا الغرب يتظاهر بتأييد الثورات بعد أن تأكد له أنها سارت وأخذت طريقها وبعد تردد منه بين إقدام ضدها وإحجام عنها ( ظهر ذلك جليا في تونس ومصر تحديدا ) .. ولكن ضربته الكبرى تمثلت في تحريكه أحزابا وأشخاصا من دواخل الثورات سبق هو أن صنعها أو جندها - لهذه اللحظة - أو قام بتحريض واستغلال بعضهم – فأوقع بهم الانشقاقات داخلها ، ثم حول هذه الانشقاقات بالدز والتصعيد إلى صورة الفتنة وحوّل الثورات إلى صورة المهدد للوطن ولمعنى الدولة وصولا إلى اتهام الثوار بالإرهاب والفوضى وأحيانا بالخيانة والتوجيه الخارجي والاستغلال الحزبي وأنهم يأخذون البلاد إلى المجهول وصيّر فلول النظم القديمة لمخلّصين يمثلون الأمن والاستقرار على طريقة ( رمتني بدائها وانسلت ) .ما قد يبدو مختلفا في التحليل هو حالة اليمن رغم نجاح الثورة في خلع صالح وأولاده ، ولكن المخلوع قد وقع في خطأ جسيم جاء لصالح الثورة من حيث لا يقصد .. ذلك أنه شق الثورة كما فعل غيره ولكن بالحوثي المذهبي الطائفي والمرتبط بمعادلات صراع إقليمي وجهوي خارج نطاق اليمن وخارج معادلات استقرار المنطقة .. ما أفشله وحرض عليه الشعب اليمني وأوقع الخلاف بين أمريكا والغرب من جهة وحلفائهم ضد الثورات من جهة أخرى .في سوريا أيضا حاولوا شق الثورة بين علمانيين وإسلاميين ؛ غير أن قوة الإسلاميين وكونهم يحملون السلاح على الأرض أفشلت المخطط فكان الخيار هو دعم بشار ذاته فلما عجز واحتاج دعما ماديا مباشرا أذنوا لإيران بذلك ، فلما عجزت إيران واحتاج النظام نسّقوا مع روسيا واستعانوا بقوتها ، وليس صحيحا أن إيران أو روسيا على خلاف مع الغرب أو مع ( إسرائيل ) في موضوع كسوريا تحديدا ..آخر القول : نتمنى على الذين ينشقون عن الثورات أن يعرفوا بأنهم مجرد أدوات في دولاب الخيانة وأن أحسن الظن فيهم يضعهم في صورة البلهاء المستغفلين .. إن لم يدروا فتلك مصيبة أو دروا فالمصيبة أعظم !!