18 سبتمبر 2025
تسجيلفي اليومين الماضيين تحدثنا عن بعض الإشكاليات المصاحبة للذين يعيشون هماً وقلقاً غير مبرر حول مسألة الأرزاق، وكأنما يرزقهم واحد من بني جنسهم، وليسمن يملك الكون وما فيه، وخزائنه لا تنفد، ولا يفرق بين عبيده وبقية مخلوقاته في هذا الأمر.. وقد يتساءل أولئك عن المنطق الإلهي في مسألة الأرزاق، بعد أن يلاحظ أحدهم كيف أن الله يوسع في رزق كافر أو ملحد وفاسق، فيما ذاك التقي النقي قد يصل الحال به إلى مرتبة (مسكين ذا متربة)!إنه منطق إلهي يختلف دون ريب عن المنطق البشري تماماً ولا شبيه له مطلقاً. نحن نشاء أمراً، والله يشاء آخر.. نحن نفعل ونخطط ما نريده لأنفسنا ولغيرنا، والله يقرر ما يريده هو لنا ولغيرنا.. تدعو فلاناً إلى التقوى والعبادة لكي يرضى الله عنه ويفتح الله عليه أبواب الرزق، فربما رد عليك قائلاً: وما تقول في فلان الفاسق الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يعرف ديناً أو شرعاً، وهو مع ذلك ربما لا يدري ما رصيده في البنوك المختلفة من ضخامته، وما يملك من عقارات وأسهم وغيرها من خيرات الدنيا؟! فتقول له: إن الله قد يكون وسع له في رزقه وحرمه من الصحة، فيقول لك إنه يتمتع بصحة أفضل مني ومنك ومن أي إنسان على وجه الأرض.. وهكذا تظل في جدال معه.تأتيه من طريق آخر وتقول: إن الله قد يضيِّق في رزق إنسان مؤمن تقي ليوسع له في الآخرة ويرزقه الجنة، فيرد عليك بكل هدوء بأن فلاناً بن فلان صاحب دين وتقوى، ومع ذلك فخزائنه شبيهة بخزائن قارون، وهو سعيد في دنياه ويشكر ربه على الدوام، ويتصدق باستمرار وزكاة ماله لا يتأخر أبداً في توزيعها على الفقراء والمحتاجين كما أمر الله.. فهو إذاً سعيد في دنياه وسيسعد في آخرته أيضا إن شاء الله.. فتحتار أنت مع هذا الإنسان الذي يجادلك بمنطق سليم، فلا تملك حينها سوى القول كما بدأنا الحديث في أن الأرزاق مسألة لا يعرف حكمة توزيعها على البشر سوى الله.حتى تطمئن نفسك أكثر في هذه المسألة، تأمل هذا الحديث الشريف، حيث جمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يوماً أصحابه قائلاً: "هذا رسول رب العالمين؛ جبريل نفث في روعي: إنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله؛ وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته".