13 سبتمبر 2025

تسجيل

جدل تونسي حول قانون العزل السياسي

07 أبريل 2014

بعد تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة بقيادة السيد مهدي جمعة، حصلت تحولات حقيقية في مواقف القوى التي كانت تنادي بتطبيق قانون العزل السياسي من أجل تحصين الثورة. ولعل أبرز هذه القوى، حركة النهضة، حيث أنهى الشيخ راشد الغنوشي في ندوة صحفية عقدها بصفاقس صباح الأحد 30 مارس 2014، الجدل القائم حول قانون العزل السياسي وتحصين الثورة، بقوله: نحن «حريصون على تحصين الثورة وعلى إقصاء رموز الثورة المضادة، لكن هذه المهمة نتركها للشعب ولصناديق الاقتراع حتى لا نكون أوصياء على الشعب الذي يميز بين الخبيث والطيب»، مضيفا: بن علي ومن قبله حرصوا على «مسح أمخاخ الشعب» طيلة 60 عاما، لكنهم لم ينجحوا، ويجب أن نتفق على أن كل الدول التي طبقت تجربة العزل السياسي ندمت عليه، لأنه يقسم الشعب إلى نصفين.. ليبيا اليوم تحاول التراجع عن قانون العزل السياسي بعد أن انقسمت إلى قبائل.. واستطرد راشد الغنوشي قائلا: «لكن هذا لا يعني إعفاء المجرمين من العقاب، لكننا ضد العقوبات الجماعية»، ففي ديننا الإسلامي الحنيف لا توجد عقوبات جماعية مصداقا لقوله تعالى: «وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، ثم إن رسولنا الكريم قال يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، مستثنيا في ذلك البعض من رؤوس الإجرام. وكان بعض القيادات «النهضوية» قد عبّر عن رفضه القانون المقترح. فقد أعلن عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة، عن رفضه القاطع لهذا القانون، ولم يتردّد في القول إنه «سيزج حركة النهضة في متاهات أيديولوجية وفي العنف». ومن أبرز المعارضين لهذا القانون رئيس الوزراء السابق الأمين العام لـ «النهضة» حمادي الجبالي الذي اعتبر أن قانون العزل السياسي سيضر بحركة «النهضة» أكثر مما سينفعها، متوجهاً بالنصح إلى الكتلة البرلمانية بعدم التصويت على القانون. وقد لاقى مشروع قانون تحصين الثورة معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة. فهناك من يرى أن العدالة الانتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر وتحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال مرحلة الديكتاتورية السابقة، وهناك طرف آخر يعتقد أن القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل، لكن هناك رأي صائب يمثله الأستاذ الحقوقي قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة والحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الانتخابات واقترح أن يكون الانتخاب على الأفراد لا على القائمات حتّى لا يحصل ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وكان أبرز المعارضين لهذا القانون هو السيد الباجي قائد السبسي، مؤسس ورئيس حركة نداء تونس، الذي قال في وقت سابق إن قانون تحصين الثورة وضع على مقاسه، فوصفه بالقانون غير الطبيعي، معتبراً أن تحصين الثورة هو مهمة من قام بها وأن من قام بالثورة هم شباب المناطق المحرومة غير المؤطر، وليست له زعامات سياسية احتج من أجل التشغيل والفقر والحرية وليس من أجل نواقض الوضوء. وقال إن استحقاقات الثورة هي صياغة دستور جديد في مدة لا تتجاوز سنة وهي تنظيم انتخابات نهائية تسمح بالاستقرار في البلاد. في مجال قانون العزل السياسي وتحصين الثورة، هناك أكثرية من التونسيين ترى أنه يجب أن تتكفل هيئة «الحقيقة والكرامة» التي سوف تتعهد وحدها بمهمة السهر على مسار العدالة الانتقالية، بمعالجة رموز النظام السابق، بواسطة القضاء الذي يبقى هو الفيصل والجهة المخولة في تحديد مصيرهم ومستقبلهم السياسي. وبصورة إجمالية، هناك إجماع لدى نشطاء حقوق الإنسان، ومكونات المجتمع المدني التونسي، أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكون عملية تصفية حسابات عمياء أو تجريم جماعي لفئة معينة من المجتمع التونسي لتقديمهم ككبش فداء، ذلك أن حركة النهضة الإسلامية أسهمت في تعطيل مسار العدالة الانتقالية نتيجة نقص الإرادة السياسية عندها، إضافة إلى زيادة التجاذبات السياسية الراجعة بالأساس إلى ظهور حزب نداء تونس الذي استقطب العديد من «التجمعيين» في صلبه خلال الفترة الماضية، وبعد أن أصبح قانون العزل السياسي قانوناً مُسيَّساً بامتياز. يطرح بعض المحللين العرب السؤال التالي، هل ستنجح الثورة التونسية في شقّ طريق جديدة تفضي إلى بناء جمهوريّة ديمقراطيّة؟ السيناريو هذا، الذي يبدو مغايراً للتجارب العربيّة، يحمل بعض التذكير بتجارب أوروبا الجنوبية القريبة أيضاً إلى تونس. فالتحولان الإسباني، بعد رحيل فرانكو، والبرتغالي الذي أنهى حكم كايتانو، وكذلك اليوناني الذي وضع حدّا لحكم العسكر، نجحت كلّها في أن تعيد الاعتبار إلى الديمقراطيّة وأن ترسي الاستقرار وهي كلّها، قياساً بتجارب «العالم الثالث»، قابلة لأن توصف بالتدرّج وبجرعة تجريبيّة نازعت جرعتها الأيديولوجيّة ثمّ تغلّبت عليها. وهذا، بالضبط، ما لم تعرفه الثورتان الروسيّة في 1917 والإيرانيّة في 1979، فالأولى، مستفيدة من ظرف الحرب العالميّة الأولى، قضت على فرصة إنشاء الجمهوريّة الديمقراطيّة التي ارتبطت باسم كيرنسكي، والثانية أنهت الاحتمال المشابه الذي رمز إليه شهبور بختيار، ثمّ، وبالاستفادة من احتلال السفارة الأمريكيّة ومن حرب صدّام على إيران، التهمت أبناءها الأعقل ممّن كانوا يراهنون على «مصالحة الإسلام والديمقراطيّة». وفي الحالتين نشأ في روسيا نظام توتاليتاريّ استدعى التخلّص منه ثلاثة أرباع القرن، كما نشأ في إيران حكم مَلال ثيوقراطيّ وديكتاتوريّ يستمدّ استمراره من توتير محيطه الإقليمي.