17 سبتمبر 2025
تسجيلعندما قامت ثورات الربيع التي هي في الحقيقة رسم خريطة جديدة للمنطقة، لقد كانت هذه الثورات المتتالية التي جاءت بعد معاناة شديدة من الشارع العربي المتمثلة في سنوات من الهزائم السياسية والفشل الاقتصادي والاجتماعي وفشل الأنظمة العسكرية في تحقيق أهداف وطموحات الأمة، حيث إن هذه الدول جرت شعوبها إلى معارك خاسرة من حروب 67 إلى حروب العراق وإيران إلى غزو الكويت إلى حروب الشمال والجنوب باليمن إلى حروب ليبيا إلى توترات الجزائر والمغرب وغيرها، كل هذا جعل الخزانة العربية ديونا للدول أضف إلى ضياع الثروات والترسانات العسكرية على حساب الشعوب، وأصبح العرب في وضع ضعيف أمام أعدائهم وفشلوا في حل القضية الفلسطينية وتخبطت السياسة وضاع الفلسطينيون في زحمة الخلافات العربية وأصبحوا جزءا منها ولم ينالوا إلا شعارات وخطباً ولا غير ذلك. وتقلبت السياسة العربية من موسكو إلى واشنطن وظهرت موجات التطرف، وظهر جيل فاقد للهوية بين الانسلاخ من الهوية والاتجاه للغرب والتفلت والانهزامية وبين متطرف، وأصبح الجيل الحالي لا يعرف أين يتجه، لاشك أن مراكز الدراسات واحصائيات الرأي وصلت إلى معرفة العلة والمشكلة فاستفادت من ذلك بعد أن استنفذ الحكام وانتهت صلاحياتهم كما قالت رايس في الكونجرس، وبعد شبكة التواصل تم تحريك الشارع بذكاء والاستفادة من الاحتقان والإحباط. هناك تحرك الإسلاميون الذين عانوا الكثير وظلوا سنوات خارج السلطة وهم أنواع، ففي مصر مثلا نزل الإسلاميون وتحالفوا في الشارع وأراد الشعب أن يجرب حكمهم، وأراد الغرب أن يغامروا ويقامروا بقوتهم. وللأسف ان هؤلاء لم يفكروا بالواقع واعتمدوا على الانتخابات التي كانت عاطفية مؤقتة وليست قائمة على منهج حضاري، كما هو في الدول المتقدمة، وغضب حلفاؤهم في السابق وخصومهم في الحاضر، ولم يدر بخلد هؤلاء أن الشارع تحول ضدهم وأن البلاد تسير نحو الهاوية وان خيار حكم العسكر أصبح هو الحل المطروح المنتظر لخروج مصر من أزمتها، أخطأ الإسلاميون في مصر في جوانب قلة خبرتهم وأنهم يحكمون برئيس ورئيس وزراء ووزراء فقط، وأن الجيش والأمن والقضاء والدولة هي تركة حسني مبارك والسادات وعبدالناصر، وأن الشعب ظل سنوات تحت هذا التأثير، وأن الحل لمصر هو الشراكة حتى يتم إقامة الدستور والانتخابات وعندها يقدم كل فريق تجربته وما لديه. ولكن وقع الإسلاميون في خطأ كبير وحملوا أنفسهم تركة حسني مبارك، ولأن الشعب لا يريد شعارات يريد وظائف وطعاماً وخدمات، وهم جاءوا في وضع صعب يستحيل أن يديروه وحدهم لأن الأمر أخطر من ذلك بكثير، كما أنهم خسروا علاقات مصر بالمنطقة في القضايا الرئيسية وأهمها الحزم مع الجانب الإيراني خاصة بعد أحداث سوريا، وكان الأزهر أكثر شجاعة من الدولة المصرية، وظهرت بوادر الخوف عند دول الخليج التي كانت هي الحليف الوحيد ولكن قلة خبرة هؤلاء وسطحيتهم أوصلتهم إلى سقوط شعبيتهم وتحريق مقارهم وصراعات لن تنتهي واستنزاف لطاقات الجميع وفتنة تؤثر على موقع مصر. وفي ليبيا أيضاً تضاربت التيارات الإسلامية بين قوى مختلفة وخسر الإسلاميون مواقعهم ولكن كانوا أكثر حكمة في تغليب العقل، وكذلك في تونس حيث تعاملوا بواقعية ولكن مازالت أمامهم تحديات كبيرة وطرق صعبة لأن المجتمع التونسي ظل سنوات تحت حكم الفرانكفونيين وبذلت فرنسا جهدا كبيرا في محاربة الهوية الفكرية مما تسبب في ظهور قوى العنف والتطرف. وفي السودان تجربة مؤلمة أوصلت البلاد لخلافات وتقسيم ومكنت القوى الكبرى من التدخل في شؤون السودان وإدخالها في استنزاف. وكلما حاولت سد جبهة فتحت جبهة أخرى، ولو كانت هناك واقعية وشراكة لما وصلت السودان لما وصلت إليه. أما اليمن فإن القبول بالمشاركة جانب إيجابي ولكن مشاركة قوى بعضها أكل الزمن والدهر عليها، وأصبحت في عداد الموتى كالتيارات اليسارية وكذلك بعض التيارات الطائفية كحزب الحق واتحاد القوى الشعبية وهي الوجه الخفي للحركة الحوثية والمؤسسة لها. أضف إلى عدم توسيع المشاركة مع العناصر ذات الخبرة والتجربة وضعف الخبرة في بعض القيادات وعدم إعطاء أهمية لحجم المشكلة التي تعاني منها اليمن وبالأخص قضايا الجنوب والحوثي وأنصار الشريعة، والأبعاد الخطيرة لها وحجم التدخل الإيراني، وعدم الحزم والوضوح في سيادة الدولة، إذ أن التحالف الوطني لكافة شرائح المجتمع لمواجهة الجماعات المسلحة وبسط نفوذ الدولة على كامل أراضيها أمر لا يجوز السكوت عنه، ويجب أن يحسم سلما أو بعمل جماعي للقبائل والجيش، ودعم دول المنطقة لرفض التدخل الأجنبي لسعي إيران استغلال ظروف اليمن لمشاريعها الإقليمية ومغامراتها. كان على الإسلاميين أن ينفتحوا على الأشخاص ذوي التجربة والخبرة ويمدوا أيديهم للجميع دون نظرة ضيقة وأن يفكروا بعقلية الدولة، وكذلك نجد أن هناك قضايا حاسمة أمام الإسلاميين وهي سياسياً أن يحددوا موقفا قويا حازما من الجماعات المتطرفة وبصوت عال وكذلك من الجماعات الطائفية وأن يستفيدوا مما حدث في العراق وسوريا إذ أن الخريطة هناك أصبحت واضحة والأوراق مكشوفة، وكان هذا يكفي لموقف صريح وواضح. وكذلك المشروع الاقتصادي والشروع به من خلال تعاون جماعي لأن المرحلة تقتضي ذلك فيه انتقالية، كما أن الحديث عن الديمقراطية الغربية وتطبيقها حرفياً يصعب ذلك في منطقتنا التي توجد بها تركيبة اجتماعية وقبلية. كما أن الأحزاب عندها ليست وطنية مائة في المائة وأن أكثرها لا تنتمي لأمة وأنها تمثل فكرا دخيلا، كما أنها نفسها لا تمارس الديمقراطية، وإذا ما وصلت للسلطة فهي أعنف من الدكتاتوريين أنفسهم، ولنا عبرة في العراق. ولعل من الغريب أن نرى من يريد عودة مبارك في مصر مما يراه الناس من احتقان وصراع آخر مصالحهم وأضاع الأمن. ومن المهزلة ما يجري في الشارع المصري وإزالة هيئة الدولة والاعتداءات، فكيف يتحدث هؤلاء جميعا حكما ومعارضة عن الديمقراطية وهم يعرفون جميعا أنهم بعيدون عن ذلك بمساحة كبيرة. إن قضايانا أعمق مما يتصوره الكثير. نحن أمام تحديات كبيرة أهمها هوية هذه الأمة ودورها، وكذلك شبابها واستثمار طاقاتها ووحدتها ومواجهة المؤامرات التي تحيط بها، إن على الجميع أن يحتكموا للعقل وتتم المشاركة الجماعية والحوار الجاد بدون شروط تعجيزية، وان اشتراطات بعض القوى تعني الحرب الأهلية، فإنه لابد من تقديم تنازلات. ولذا وجب على القوى الإسلامية أن تتعامل بواقعية مع الأحداث، وأن تقوم بخطوات نحو المصالحة والمشاركة، وأن تقدم برامجها بعد مرحلة الفترة الانتقالية، وأن تدرك الأخطار التي تهدد الجميع بدون استثناء.