23 سبتمبر 2025
تسجيلعلى وقع الاضطراب السياسي الذي تعيشه قوى الأكثرية المشكِلة للحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي فيما بينها، جاء خبر إطلاق سراح العميد المتقاعد فايز كرم بعد حبس استمر عشرين شهراً، بتهمة العمالة لإسرائيل. والعميد كرم، لمن لا يعرفه، تم توقيفه منذ عشرين شهراً مضت، بعد تعقب ومراقبة استمرت لعدة شهور، بحسب ما أفاد في حينها قيادات أمنية. وتبين من خلال التحقيقات معه أن الرجل كان المحرك الأساسي، أو من أهم المحركين لخلايا العملاء الذين تساقطوا بشكل سريع ومتقارب زمنياً، قبيل وبعد توقيف كرم. والرجل، لمن لا يعرفه أيضاً، قيادي من الصف الأول في التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون الحليف الأول لحزب الله. يوم تمّ توقيف فايز كرم على يد فرع المعلومات، كانت الصدمة شديدة على الجنرال عون، الذي كان يخوض حربا شاملة ضد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، المتهم من قبله، بمحسوبيته على تيار المستقبل بقيادة سعد الدين الحريري. ومن محاسن أو مساوئ الصدف يومها، أن الفرع المذكور هو من تمكن من توقيف كرم بعد رصد ومراقبة، اعتبرت حينها تقدما نوعيا وحرفيا للقوى الأمنية في ملاحقة العملاء وكشفهم. يومها وقع الجنرال عون فيما يشبه الشلل السياسي، وسط حالة ذهول تام بعد تبلغه رسمياً من مصادر أمنية تثبت تورط صديق دربه العميد المتقاعد في الجيش فايز كرم. وقد وصل الرعب بالجنرال وحلفائه حدّ إرسال فريق أمني خاص لحزب الله إلى منزل الجنرال عون للكشف عن أي معدات تجسسية ربما يكون كرم قد زرعها في منزل عون الذي كان يستقبل فيه قيادات من حزب الله. بعدها خرج العماد عون ليذكر جمهوره أن من بين حواري السيد المسيح (عليه السلام) كان هناك التلميذ الخائن الذي سلّم المسيح لأعدائه، في محاولة لطوي صفحة العميد كرم، واحتواء تداعياته السلبية على شعبية التيار العوني وصورته في المشهد السياسي العام، حيث كانت المعارك على حماوتها بين التيار وحزب الله من ناحية وخصومهما تيار المستقبل وحلفائه من ناحية أخرى. سقط كرم، ودخل السجن، وبات مداناً بالعمالة لإسرائيل، وصمت حزب الله عن إثارة الموضوع إعلاميا خشية إحراج حليفه عون. وهكذا دخلت القصة السجن مع صاحبها، وأقفل عليها بإحكام، كما أقفل على بطلها كرم، أملاً في أن تكون ذاكرة اللبنانيين قصيرة في استحضار التاريخ. يوم الثلاثاء، الثالث من الشهر الحالي، أفرج عن العميد كرم، بعد تخفيض المدة السجنية إلى عشرة أشهر، ما سمح بخروجه من السجن بعد قضائه سنتين، أي محكوميته. لم يكن الخروج صامتاً كما كان الدخول، بل كان لصاحبه احتفال في بلدته زغرتا في شمال لبنان وكأن القادم بطل وطني ومقاوم سياسي شرس واجه من يحاولون سرقة لبنان من أهله. العميد المحروم حاليا، وفقاً لأحكام القانون، من الترشح لمجلس النواب حتى سبع سنوات قادمة، لم يقل يوم خروجه أنه نادم على ما تورط به، ولم يبرر لنفسه هذا الجرم المشؤوم بالقول، إنه كان واقعا تحت الابتزاز المالي والجنسي، أو أنها حالة ضعف مرّ بها، كذريعة جميع العملاء حين يقعون في قبضة العدالة، بل خرج ليقول أمام زواره، إن توقيفه كان سياسياً وخروجه كان سياسياً، أي أنه بريء من تهمة العمالة. أما حزب الله، العدو الأول لخلايا العملاء، لم ينبس ببنت شفة حول الموضوع، بل إن نشرة الأخبار في قناة المنار المحسوبة رسميا على الحزب لم تأت على ذكر العميد كرم بتاتا، وكأن شيئاً لم يحدث، حتى بات التساؤل المطروح، هل الخوف على مصالحه السياسية أو انفراط عقد تحالفه مع تيار سياسي يسمح له بغض النظر عما قد يرتكبهم أحدهم بأخطر ما يهدد وحدة الوطن وسلامة أراضيه؟ وهل تبقى العمالة بالنسبة لبعض اللبنانيين وجهة نظر طالما أن من يرتكبها محمي سياسي أو محسوب على زعامة؟