13 سبتمبر 2025
تسجيلأسفرت المواجهات بين متظاهري الغاز الصخري ومصالح الدرك والشرطة في عين صالح وتمنراست، عن توقيف 19 شخصا وإصابة ما لا يقل عن 90 آخرين من المشاركين في المسيرات، منهم 31 شرطيا ودركيا، وتدهور الوضع بشكل يبعث على الخوف والتشاؤم. إن الوضع، حسب المتابعين والملاحظين للأوضاع في عين صالح سيشهد المزيد من التصعيد، في ظل اختيار السلطات الحل الأمني، بينما قرر عدد كبير من المشاركين، في اعتصام ساحة الصمود في عين صالح إعادة تنظيم الاعتصام مجددا في نفس الساحة في الأيام القادمة، بعد أن تمكنت قوات التدخل التابعة للشرطة والدرك الوطني من إخلاء ساحة الصمود من المعتصمين. وتستمر المظاهرات منذ نحو شهرين في عين صالح -المدينة الصحراوية الأقرب إلى موقع حفر أول بئر تجريبية للغاز الصخري- للمطالبة بتوقف الأشغال، ويقول المحتجون إنهم يرفضون مشروع استغلال الغاز الصخري بعد أن أثبتت أبحاث أنه يمثل خطرا على البيئة والمياه الجوفية، بينما تقول الحكومة إنه لا وجود لمشروع استغلال الغاز الصخري حاليا، وكل ما في الأمر عمليات استكشاف لمعرفة احتياطي البلاد من هذه الطاقة. وهنا نلاحظ أنه بدلا من استعمال الحل الأمني كان ينبغي على السلطات الجزائرية تبني طريقة الحوار والنقاش في جو من الصراحة والشفافية واحترام الرأي العام. ففي ظل غياب سياسة اتصالية واضحة المعالم من قبل السلطات الجزائرية نلاحظ تضارب في الآراء والتصريحات وتصعيد في المواقف بين المتظاهرين والسلطة. وتجدر الإشارة هنا إلى السلوك الحضاري الذي تحلى به سكان عين صالح في مظاهراتهم اليومية للتعبير عن معارضتهم للأعمال الاستكشافية للغاز الصخري في منطقتهم. ففي غضون الأسبوع الماضي دخلت قوات الأمن والمتظاهرين في مواجهات مفتوحة في مختلف شوارع مدينة عين صالح، لدرجة أن عددا من عناصر الشرطة حوصروا عدة ساعات في أحد المواقع من طرف محتجين، واستعملت قوات التدخل من شرطة ودرك كميات ضخمة من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وأصيب عدد كبير من الشباب بجروح أثناء المواجهات، فيما قال مصدر من قيادة الدرك الوطني في عين صالح، إن الأوامر كانت صريحة وهي عدم استعمال العنف والرصاص المطاطي، وأسفرت المواجهات في عين صالح عن إصابة ما لا يقل عن 40 شخصا بجروح بسبب المطاردات العنيفة والكر والفر بين قوات الدرك الوطني والشرطة. وخرجت الأمور في مدينة عين صالح عن السيطرة، كما هو الأمر في العاصمة الإدارية لولاية تمنراست، حيث تواصلت المواجهات بين قوات الشرطة ومحتجين من حركة "مافرات" المنضوية تحت لواء "اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري" لعدة ساعات، وأغلقت حركة "مافرات" الطريق الوطني رقم واحد عند المدخل الشمالي لمدينة تمنراست لعدة ساعات. وقالت قيادة الحركة إن حصيلة الجرحى في مواجهات الأحد ارتفعت إلى 90 شخصا، منهم 31 دركيا وشرطيا، حسب مصادر غير رسمية، و9 حسب مصدر من مديرية الصحة بولاية تمنراست. وأفاد مصدر طبي من مستشفى عين صالح بأن أغلب الإصابات بسيطة ولا تبعث على القلق، حيث عولج المصابون وغادروا المستشفى باستثناء حالات معدودة.لفترة تزيد على الشهرين يتظاهر سكان عين صالح بجنوب الجزائر يوميا معبرين عن رفضهم لاستغلال الغاز الصخري في منطقتهم. إن تمسك سكان الجنوب بحقهم المشروع في الاحتجاج ورفض مشروع التنقيب واستغلال الغاز الصخري، يعود إلى مخاطر استخراج الغاز الصخري بتقنية التشقيق الصخري على البيئة بشكل عام وعلى تلوث مخزون المياه الجوفية، خاصة أن حياة المواطن في الصحراء مرتبطة قبل أي شيء بالماء. الفترة طالت والسلطات الجزائرية تاهت في عدم القدرة على التواصل الصريح والشفاف والحوار الجاد، أزمة عجزت الدولة الجزائرية التعامل معها بمهنية وحرفية. مقومات الاتصال الحكومي والاتصال أثناء الأزمة واضحة وضوح الشمس، الموضوع مهم ومصيري وله انعكاسات كبيرة جدا على السلطة والشعب، وفي مثل هذه الحالات كان ينبغي على المسؤولين الجزائريين الجلوس مع المواطنين في عين صالح ومناقشة الموضوع من كل جوانبه بكل صراحة وشفافية وتقديم الأدلة والمعطيات العلمية من قبل علماء ومختصين لتبيان تفاصيل الغاز الصخري بإيجابياته وسلبياته، ما لوحظ مع الأسف الشديد هو تضارب في التصريحات والأقوال وتجاهل سكان عين صالح أو قمعهم من حين إلى آخر من قبل أجهزة الأمن، فالموضوع بكل بساطة يحتاج إلى مصارحة وإلى احترام الرأي العام، رأي الشعب وسكان عين صالح والمنطقة بالدرجة الأولى. وقد نتساءل هنا عما فعلته السلطات الجزائرية لضحايا ومتضرري التجارب النووية الفرنسية في رقان والتي مازال سكان هذه المنطقة يدفعون ثمن انعكاساتها وأضرارها غاليا وفرنسا تتهرب وتتجاهل الموضوع والسلطات الجزائرية غير مبالية تماما. التعامل السلبي مع الأزمة أدى إلى تفاقمها مع مرور الزمن وقد تتشعب في المستقبل إلى منعطفات أخرى قد تزيد في تعقيدها وخطورتها وفقدان الثقة بين الشعب والسلطة، فقبل أسبوع ونتيجة للاشتباكات التي وقعت بين رجال الأمن والمتظاهرين ردد عدد من المحتجين عبارات معادية للرئيس بوتفليقة في عين صالح وتمنراست، للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاج قبل شهرين تقريبا، وحمّلت اللجنة الوطنية لمناهضة الغاز الصخري في بيان لها السلطات مسؤولية تدهور الوضع في عين صالح، وقالت إن السلطة تتحمل مسؤولية كل مظاهر استعمال القوة، ودعت المسؤولين لاحتواء الوضع عاجلا من أجل الحفاظ على سلمية الاحتجاجات المشروعة وتجنيب المنطقة مخاطر الانزلاق. وقال القيادي الثاني في اللجنة، عبد السلام حمدان، إن السلطات خططت قبل أكثر من شهر للتصعيد حيث نقلت قوات التدخل برا في البداية ثم بالطائرات واستفزت المحتجين ومارست عليهم حربا نفسية تثير الاحتجاجات المتصاعدة للمناهضين لاستغلال الغاز الصخري بجنوب البلاد، مخاوف كثيرة لدى الرأي العام الوطني، على خلفية المواجهات العنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، كما تثير تساؤلات حول فشل الحكومة في احتواء الاحتجاجات رغم تدخل رئيس الجمهورية شخصيا في الملف، يقول وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي: إن رسالة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة التي ألقاها مستشاره محمد علي بوغازي بولاية بوهران بمناسبة الذكرى الـ44 لتأميم المحروقات، أزمت الأوضاع في عين صالح عوض إخمادها وإقناع المحتجين بالخطاب الرسمي". ويرفض الناطق باسم الحكومة الأسبق اتهام المعارضة بالضلوع في احتجاجات سكان مدينة عين صالح ضد الغاز الصخري ويقول: إن اتهاما كهذا يؤجج سكان الجنوب أكثر لأن السلطة تنقص من وعي هؤلاء وتعتبرهم دمى "عرائس القاراقوز" في يد المعارضة في الشمال"، لقد حان الوقت للسلطات الجزائرية أن تواجه الأزمة بكل حزم وجدية وأن تمارس الاتصال الحكومي المسؤول وتواجه المتظاهرين بكل احترام وديمقراطية وشفافية، فإذا كانت السلطة على حق فما عليها إلا أن تقدم برهانها، أما إذا كان العكس فمن حق سكان عين صالح أن يحموا بيئتهم ومياههم ومستقبل أبنائهم خاصة أن حرية التجمع والتظاهر والرأي مكفولة في الدستور الجزائري.