14 سبتمبر 2025

تسجيل

لجم الصهيونية.. أم رجم أردوغان ؟!

07 مارس 2013

تصريحات رئيس الوزراء التركي السيد أردوغان - يوم الأربعاء الماضي 27 / 2 أمام منتدى تحالف الحضارات الأممي في فيينا بخصوص "تجريم الصهيونية وتجريم التخويف من الإسلام" هي تصريحات تستحق التوقف عندها وكذا ردات الفعل عليها أيضا تستحق التوقف. فالرجل اختار موضوعات حساسة ليتحدث فيها تتعلق بالصهيونية التي تحظى بعلاقات رسمية مع بلده منذ قيام تركيا العلمانية وتحظى برعاية ودعم أصدقاء وحلفاء تاريخيين لتركيا فليس من السهل تجاهل مواقفهم أو تحدي قناعاتهم.. كأمريكا وأوروبا وهو ما يعني أن الرجل لو كان يخاطر فإنما يخاطر بمس خطوط حمراء مرعية ومحصنة مما يسمى المجتمع الدولي وبالتأكيد لذلك ما له من الحسابات والحساسيات.. ولولا أن الرجل مطمئن لمعادلاته الداخلية وكذلك الخارجية لما اقترب منها جديرة الإشارة إلى أن أردوغان وحزبه ورغم كل التعويق والتشويه والإقصاء الذي واجهوه من العلمانيين الإلحاديين ولعشرات السنين قد وصلوا إلى السلطة وإلى الرئاسة ورئاسة الوزراء وحازوا على أكثرية البرلمان التركي بعد مائة سنة من حكم الفاسدين المفسدين الذين جرفوا تركيا تجريفا وأسلموها لديون دولية كان الظن أن تقتلها وأن ترهن قرارها السيادي لمئات السنين وأن تجعل (أعزة أهلها أذلة) قلما جاء هؤلاء أعادوا تركيا لدورها الإقليمي المعبر عن وزنها الجيوسياسي والأيديولوجي والتاريخي وانتشلوها من الفقر والتهرؤ إلى أن تسدد كل ديونها وأن تتحول إلى دائن لصندوق النقد الدولي لا مدين له.. وإذن فما قاله أردوغان ليس مجرد ظاهرة صوتية " ولا هو جعجعة من دون طحين " كما حال آخرين لدينا ممن كلما ارتفع زعيقهم كان ما يخفونه من التهرؤ أعظم وأخطر، فالإشادة بهذا الرجل ليس لأننا نومن بالرجال أكثر من المواقف والأحوال، ولكن لأنه أثبت إخلاصه لأمته الإسلامية بعد أن أثبت إخلاصه لبلده، فهنيئا لشعبه به وهنيئا لنا نحن "العرب والفلسطينيون" به وببلده تركيا معه فما ترك موقفا معنا ومع قضايانا إلا وقفه وما ترك نصرة لنا إلا سبق إليها سابقا وأحيانا معاكسا لمواقف أقربين يفترض أنهم أكثر التصاقا بنا وبقضايانا! ولن ننسى توبيخه لبيريز – رئيس الكيان - في ملتقى دافوس الاقتصادي يوم 29 / 1 / 2009 على أثر المجازر الصهيونية ضد أهل غزة.. قبل أن يغادر الجلسة المتلفزة بينما ظل أمين عام الجامعة العربية – عمرو موسى - جالسا مرتخيا بين لا ينبس ببنت شفة!!  فإن شئنا أن نترك أردوغان لإخلاصه ومميزاته وجهاده – والله حسيب سره وجهره – فلنا أن نتساءل عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" الذي يفترض أنه أممي لا صهيوني ولا متعاطف مع الصهيونية والذي حشر أنفه في المكان الخطأ من هذه المجادلة وانضم للحملة على تصريحات أردوغان فقال عبر متحدث باسمه واصفا التصريحات بأنها "جارحة ومثيرة للشقاق" ونتساءل عن موقف وزير خارجية أمريكا الذي اعتبر التصريحات "عدائية على نحو خاص" وأنه سيكون لها "تأثير مضر على العلاقات الأمريكية التركية".. وأقول: بالتأكيد لسنا في وهم أن أمريكا أو الأمم المتحدة ومعهما العالم الغربي – الرسمي - في العموم سيتخذون مواقف مؤيدة لأردوغان فهم حلفاء الكيان الصهيوني وهم داعموه وهم مسلحوه ومثبتو وجوده.. ولكن هل عجزت قريحة هؤلاء عن نصرة الكيان الصهيوني إلا بما يسقط دعاواهم الأخلاقية والقيمية؟  ألا يرون أن المُجدي أكثر لقطع ومنع وتوقي هكذا تصريحات هو لجم الكيان عن التمادي في استفزاز الآخرين؟ ألا يرون ما يفعله الكيان من غطرسة وفوقية لا أخلاقية ليس على العرب والمسلمين فقط ولكن على كل الأمم بما فيها هم أي العالم الغربي؟ ألا يرون جرائم الصهيونية؟ ألا يعلمون أن العالم اليوم لم يعد عالم الأمس؟ ألا يعرفون أن سياساتهم وانحيازاتهم وازدراءاتهم وتشنجاتهم ضد شعوبنا هو الذي أسهم بشكل أساس في سقوط عملائهم وأذنابهم وتسبب في كل هذه الخسارات الاستراتيجية التي منوا بها وتهدد ما تبقى من رهاناتهم؟ فلماذا إذن يقفون مع هذا الكيان إلى هذا الحد وبهذا الافتضاح؟  وبمنطق المصالح العليا الأمريكية ومصالح الكيان الصهيوني وليس مصالحنا التي نعلم أن أمريكا لا تحرص عليها.. لماذا لا يحكِّمون نظرات العقول وميزان مصالحهم ولا يفكرون في ضرورة أن تكون لهم في مقابل دعومهم له كلمة ترشيد وتفاهم معه ولو على الحد الأدنى من الأخلاق والسلم والمنطق؟ فهل من الرشد أن تسمح أمريكا لرجل الأعمال اليهودي الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأمريكية والذي يقيم على أرضها المدعو "سام باسيل" بأن يكتب ويخرج الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام ثم ليثير موجة الاحتجاجات الكبيرة التي رأيناها ورأينا كيف تحوّلت إلى مظاهرات غضب عارمة ودموية؟ وهل هذا لمصلحة أمريكا أو لمصلحة الغرب أو لمصلحة الكيان؟ وهل من الحكمة أن تترك أمريكا الحاخام الأمريكي المأفون " مانيس فريدمان " يدعو إلى قتل كل العرب رجالا ونساء وأطفالا، وإلى تدمير مقدساتهم كما نشرته مجلة " مومنت " (Moment) الأمريكية تحت عنوان "اسألوا الحاخامات"؟ ألم تسمع أمريكا بفضائح الكيان الصهيوني في هاييتي حيث تقوم البعثة الطبية الصهيونية باستغلال معاناة منكوبي الزلزال وسرقة أعضاء المصابين والقتلى كما يروي الناشط الأمريكي المدافع عن حقوق السود" تي ويست "؟ وهل من الصواب أن تستخدم أمريكا الفيتو لحماية كل جرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين والعرب وضد معاهدة جنيف الرابعة واستيلائها على أراضي الفلسطينيين والسماح للمستوطنين بالعربدة ضدهم وهتك مساجدهم واستفزازهم وتهديدهم ليل نهار وتقوم بنقلهم بشكل كثيف إلى الأراضي غير المختلف على أنها محتلة في خرق فاضح لهذه المعاهدة التي أقرّها المجتمع الدولي؟  نعم.. لأمريكا والغرب ولكل دولة أن تتخذ من الحلفاء من تشاء وأن تحميهم إن قدرت على ذلك، ولكن إلى متى سيظلون يدورون حول سياسات وضعت ونسقت قبل مائة عام، وقبل كل هذه الخزايا الصهيونية، وقبل أن يتلبس الكيان الصهيوني بكل هذه العنصرية الطائفية الإرهابية؟ وإلى متى سيظلون يغامرون بالرأي العام الشعبي الدولي والعالمي بصرف النظر عن المستجدات وعن ردات الفعل التي لم تكن ناضجة أو مؤثرة في يوم كما هي اليوم..  آخر القول: أعتقد أن على الذين ردوا على تصريحات أردوغان واعتبروها تعديا وظلامية وتوعدوا تركيا بالثبور وعظائم الأمور أن يعلموا أن تركيا اليوم غير تركيا الأمس، وأن يجتهدوا بدل ذلك في توعية الكيان الصهيوني ورده عن فجوره وعن سيره إلى حتفه، فإن أصروا أن يعتبروه ابنا أو في مقام الابن فليعتبروه ابنا سفيها يوقع الضرر على نفسه وعليهم.. أما أردوغان فهنيئا لنا ولأمته وشعبه به.