15 سبتمبر 2025

تسجيل

جابر ربيعة الكواري.. في ذاكرة قطر

07 فبراير 2022

(1) يمتاز رجال قطر القدماء بحب الأرض والوفاء لها في شتى الظروف.. ومن عاصر هؤلاء وعايشهم يجد فيهم مدى ولائهم لها، سواء كان ذلك في السراء أو في الضراء. وهذا بدوره انعكس على رتم الحياة الذي عاشه من بعدهم أبناؤهم.. فخلفوا لنا جيلا غدا قادرا على مواكبة الحياة بحلوها ومرها دون إخلال بالهوية وعملوا للحفاظ على حياتنا القديمة التي عشناها بشكلها الذي يحث على التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة والقيم النبيلة لهذا المجتمع. (2) من هؤلاء الآباء الذين تركوا لنا بصمة في هذه الحياة المغفور له - بإذن الله تعالى - الوالد جابر بن ربيعة بن عيسى آل ربيعة الكواري الذي انتقل إلى جوار ربه قبل أيام عن عمر (91 سنة) تقريبا، فهو من مواليد قرية (الجذيع) بشمال قطر.. وأحد الشخصيات التي عاصرت مجتمع الغوص على اللؤلؤ وسنوات الكساد منذ صغره والتي حدثت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عندما تأثرت مهنة اللؤلؤ الطبيعي وأصبح اللؤلؤ الياباني الصناعي هو السائد والأكثر رواجا في السوق العالمية.. وبعدها ظهر النفط في قطر والخليج وأصبح هو البديل لصناعة اللؤلؤ. (3) الوالد جابر كان من المعاصرين لأحداث الكساد الاقتصادي التي عمت كل دول المنطقة ومنها قطر بكل تأكيد.. وهو من المجالسين لوالده المعمّر والنسّابة ربيعة بن عيسى آل ربيعة الكواري الذي مات عام 1997 م عن عمر (112) سنة تقريبا ويعد من الذين عملوا في تجارة اللؤلؤ والطواشة في تلك الحقبة التاريخية المهمة من تاريخ قطر المشهود. ولذلك كان الفقيد الراحل جابر بن ربيعة ملما بشكل كبير بأحداث تلك الفترة وعارفا لما كان يحدث على ظهر سفن الغوص على اللؤلؤ.. فقد كان يخبرني - رحمه الله - عن بعض ما وقع من أحداث ونكبات الغوص خاصة ما كان يتعلق بالكساد والخسائر التي تكبدها أهل قطر من جراء ذلك الكساد ومنها اختلاط اللؤلؤ الطبيعي مع الصناعي وبيعه مع بعضه البعض خلال تلك المرحلة.. وهذا أحد الأمثلة الحية التي كانت سائدة في حينها. (4) والشيء الآخر عن الوالد جابر - رحمه الله - أنه كان أحد رواة التراث الشفاهي فهو يحفظ من والده الكثير من الحوادث التاريخية ومنها ما يتعلق بالمجتمع القطري القديم وخاصة الأحداث السياسية المتعلقة بعهد المؤسس وحاكم قطر - طيب الله ثراه - الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني والمعارك الحربية التي خاضها مع شعبه حتى وفاته سنة 1913م. ويحفظ كذلك بعض الأشعار والقصص التي واكبت العصر الذي عاصره بكل تحدياته وتقلباته. والوالد جابر شقيق: - عيسى بن ربيعة (نائب رئيس مجلس الشورى الأسبق) - جاسم بن ربيعة. وله من الأبناء: - محمد - أحمد - خليفة - فهد. (5) من الذكريات التي ما زلت أحملها في الذاكرة عن الوالد الراحل جابر بن ربيعة الكواري أنه كان كثير التردد على زيارة مجلس جاره وصديقه في منطقة «ازغوى» الوالد محمد بن صالح الفضالة - رحمه الله - بعد صلاة العشاء من كل يوم وحينها كنت أحد الحضور.. ولكن الجميل في هذه الجلسات اليومية أنها كانت تتناول حديث الذكريات حول حياة أهل الشمال ومنها المعيشة في «بلدة الغارية» وما جاورها وسكانها في القرن الماضي مثل أيام معيشة مجتمع الغوص على اللؤلؤ والكفاح من أجل لقمة العيش.. بجانب تذكر مناقب شاعر قطر الراحل والفحل محمد بن عبدالوهاب الفيحاني المتوفى عام 1939م صاحب مطالع القصائد الرائعة مثل: - “شبعنا من عناهم وارتوينا“ - و“هل من تلايا خير“ - و“هيه يا غادي“ - “الله الأحد ما ودّع القلب الأحباب“ - و”عمّن ترحّل سالي الدار يا عين”.. وغيرها من القصائد المعروفة التي تردد على كل لسان. وكنت أعجب كثيرا بطريقة التحليل للقصائد وكيف أبدع الفيحاني في صياغتها وإخراجها بشكلها الفذ.. كما كنت لا أتردد في تدوين بعض الملاحظات وتوثيقها في أحد الدفاتر الصغيرة من قبل ما يدور في هذه الجلسات المسائية النادرة.. هذا بجانب أنني أتردد على زيارتي للوالد جابر أحيانا في مجلسه الخاص (جلسة الجمعة) بمنزله الذي لا يبعد عن بيتي سوى بعض الأمتار لكوننا نقطن في نفس المنطقة السكنية. (6) كلمة أخيرة: الإخباريون والرواة جزء من الذاكرة التاريخية لهذا الوطن.. والحديث عنهم أو محاولة توثيق سيرهم بمثابة جزء من الكتابة عن أهم شريحة من شرائح الذاكرة المجتمعية فيما يتعلق بتراث قطر الذي هو من أعمال “اليونسكو“ الذي تسعى هذه المنظمة العالمية لإرساء تحقيقه على أرض الواقع ويتصل اليوم بشكل مباشر باختصاصات وزارة الثقافة. [email protected]