19 سبتمبر 2025
تسجيلما أسفه قوم يتهمون أحكمهم وأعقلهم وأكثرهم حباً وسعياً لعمل الخير وابتغاء الصلاح لهم.. وما أتعس قوم عاد حين لم يجدوا ما يواجهون به نبي الله هود، عليه السلام، إلا أن يتهمونه بالسفاهة وقلة العلم والعقل. يدعوهم الى الرشاد والصلاح لا يبتغي مصلحة مادية دنيوية، ويناديهم بما نادى به الأنبياء قبله (إنّي لكُم رسولٌ أَمينٌ فاتقوا اللَّه وأَطيعُون وما أَسأَلُكُم علَيه من أجر إِنْ أَجري إِلا على رب العَالمين).. لكن رغم ذلك، ولأن البصيرة قد عميت عند علية القوم على وجه التحديد، قابلوا الإحسان وحب الخير، بالإساءة إلى خير الناس عندهم يومئذ. فاتهموه بالسفاهة وخفة العقل، شأن أي متكبر جبار لا يسمع غير نفسه، ولا يرى أحداً سواه. (قال الملَأُ الذينَ كَفروا من قوْمه إِنَّا لَنراكَ في سفاهةٍ وإِنَّا لَنَظُنّك من الكاذبينَ).. هكذا دون حياء ودون خجل. يتهمونه بالكذب والسفاهة، وقد كانوا هم أنفسهم رموزاً للسفاهة والكذب والحمق، تمشي على الأرض. هل هناك أسفه وأحمق من شخص يعطل عقله ويتقرب الى وثن من حجر أو شجر أو ما شئت من أوثان متنوعة؟ وهل هناك أكذب وأشر من لسان لا ينطق حقاً ولا كلمة هدى أو صلاح؟ فهكذا كانوا قديماً وما أكثرهم، وهكذا هم يزدادون إلى يوم الناس هذا، ولا أحسبُ أن هذا النوع المجحف والجاحد سينقرض قريباً. سترى حولك أمثال الأنبياء، في دعواتهم للخير والصلاح. وسترى بالمقابل من يتربص بهم ويتعقبهم ويتهمهم بكل أنواع التهم، بل ربما يتجاوز الأمر إلى ما هو أشر وأنكى.. فهكذا الصراع بين الخير والباطل، مستمر الى ساعة فناء وانتهاء هذا الحياة. فمن عمل مثقال ذرة من خير أو شر، فسيرى نتائجها غير منقوصة في الدار الآخرة، ولا يظلم ربك أحدا.