13 سبتمبر 2025

تسجيل

رسائل جنيف 3 إلى العرب والأتراك

07 فبراير 2016

يخطئ بخطورة من يحصرُ الرسائل المتعلقة بـ (إفشال) روسيا والنظام السوري وآخرين، لمحادثات جنيف 3 على أنها تتعلق بالمعارضة السورية أو السوريين عموما ربما كان الشعب السوري، ومعارضته، في واجهة الأحداث، إعلامياً على الأقل، خلال الأسبوع الماضي. لكن الدلالات الحقيقية للحدث تتجاوز هؤلاء بكثير. وهي تندرج حتماً في إطارٍ إستراتيجي يتعلق بتفاهمات أمريكية روسية تتعلق بالإقليم بأسره.ليس خفياً أن المخطط التنفيذي لهذه التفاهمات بدأ، عملياً، منذ لقاءات فيينا التي أنتجت قراراً أممياً يتميز في أغلب فقراته بأنه غامضٌ وحمَّالُ أوجُه.. غير أن هذا القرار حوى أيضاً بضع عناصر، مثل البنود 12 و13 و14، لم يكن ثمة بدٌ من إيرادها لتمريره تحت ضغط الدول العربية المؤيدة للشعب السوري بقيادة السعودية.. ومع حسابات تتعلق بالتوازنات الدولية والإقليمية الراهنة والمستقبلية، اندرج العرب، ومعهم الأتراك، في مسار فيينا الذي أفضى إلى بدء محادثات جنيف أخيراً.ثمة واقعيةٌ سياسية لابد من العمل وفق مقتضياتها في ذلك القرار. لكن العملية بمجملها كانت أيضاً فرصةً لـ (اختبار) حقيقة التفاهمات المذكورة أعلاه. ومن أوراق السياسة أن يحسبكَ الطرف الآخر غافلاً عن نواياه، فتتضخمَ ثقتهُ بقوته وذكائه من ناحية، وبضعفك وقلة حيلتك في فهم الظواهر من ناحية أخرى..في هذا السياق نفسه، جاءت مشاركة المعارضة السورية في محادثات جنيف، بغض النظر عن أي حديث يتعلق بـ (ضمانات) من السيد ديمستورا يعرف الجميع أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، أو من السيد كيري، بكل السجل التاريخي الذي يعرفه السوريون عنها. والأرجح أن هذا كان وراء التصريح الدقيق، الذي لم ينتبه إليه كثيرون، لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير.. فحين خلطَ البعض الأمور وتحدث عن ضمانات سعودية، قال موضحاً: "نحن لا نعطي ضمانات للمعارضة السورية، نحن معهم في نفس الفريق"..وكما توقع المراقبون، لم يستغرق الأمر أكثر من بضعة أيام لتنكشف حقيقة (الضمانات) المزعومة، ومعها فحوى التفاهمات المتعلقة بالمنطقة وأهلها، شعوباً وحكومات وخرائط، وهذا يشمل تحديداً العرب وتركيا. ثمة تفاصيل كثيرة لايتسع لها المقام، ونأمل أن هناك مَن يرصدها بشمولٍ ودقة وربطٍ مُحكم للوقائع والأحداث.. لكن تلخيص النتيجة بأنها تتمثل في إشاعة (الفوضى) في المنطقة ليس مُبالغاً فيه على الإطلاق. خاصةً حين تتوزع الأدوار بين من تمﱠ إقناعهُ بأنه قيصرٌ جديد.. وبين غربٍ لا يمانع تاريخياً أن يلعب بالنار، مادام اشتعالُها سيكون بعيداً عنه. غربٍ مقامرٍ بطبعه، ليس غريباً أن تقود مقامراته إلى واقعٍ يأخذ فيه نفسَهُ والعالم إلى الهاوية.باختصارٍ ووضوح.. تُظهر رسائل جنيف3 أن ثمة تفويضاً لروسيا، ومن ورائها إيران، لإعادة ترتيب الأمور في المنطقة، وبتوزيعٍ للأدوار بات مكشوفاً لدرجة أنه قد يكون وقاحةً مقصودة تشبه وضع الإصبع في العين..فَعلَ السوريون ما يمكن لهم أن يفعلوه سياسياً، فكشفوا أمام العالم بأسره حقيقة الروس والنظام، وأمام العرب والأتراك حقيقة التفاهمات الدولية. ورغم الضغط العسكري غير المسبوق للروس والنظام وميليشياته، واحتمالات محاصرة حلب، وقطع طريق الإمداد للثوار، تتوارد الأخبار عن مقاومةٍ منهم غير مسبوقة بدورها. وتلك مقاومةٌ يجب التعامل بجديةٍ بالغة مع موضوع دعمها بكل الوسائل والأساليب.. ففي نهاية المطاف لن تنحصر آثار ما سيجري في حدود سوريا، والمؤكد أن الوضع العربي والتركي لايحتمل استسلام السوريين، لأنه يعني قدوم الطوفان الكبير. هذه فكرةٌ يجب أن تبقى هاجساً يؤرقُ العرب، لأن النومَ عنها قد لا يكون بعدهُ استيقاظ.ماذا يمكن للعرب والأتراك أن يفعلوا؟ نكرر مرةً أخرى ما قالهُ يوماً ماوتسي تونغ: "القوة السياسية تأتي من فوهة البندقية".. وبعدهُ قال جورج أورويل: "ينامُ الناس بسلامٍ في أسِرﱠتهم ليلاً لأن هناك رجالاً أشداء يسهرون مستعدين للعنف من أجلهم".هذا لا يعني سذاجةً سياسية بطبيعة الحال. فليس المقصود هنا الخروج على (النظام الدولي) بعصبيةٍ وتشنج.. بل الأمر على العكس تماماً. لأن واقع ما بعد جنيف 3 يوفر للعرب والأتراك أوراقاً تجمع، بمهارةٍ وذكاء، بين القوتين اللتين تحدث عنهما الزعيم الصيني. علماً أن التخطيط لذلك، والعمل وفق مقتضياته، ينبع من ضرورةٍ قاهرة، وليس نوعاً من (الترف) الذي يمكن معه للطرفين أخذُ الوقت للتفكير. فالتهديد الذي يواجههما (وجوديٌ) كامل، وليس لديهما بعد الآن (رفاهية) التعامل معه بالتكتيك والمناورات الخفيفة والرؤية القصيرة النظر.صحيحٌ أن إيران تركز، في هذه المرحلة، على أن تقبض ثمن بضاعتها في سوريا تحديداً، لكن رهانها الكبير معروف، وطموحها الإستراتيجي لا يخفى على أحد، والفوز بسوريا أخطرُ خطوةٍ لتحقيق ذلك الطموح.. وقد يكون من سوء حظها، وحُسن حظ العرب والأتراك، كشفُ ما يُحاك للطرفين من خلال العمليات الإرهابية الأخيرة في السعودية وتركيا.هل تحسم هذه الوقائع الحيرة فيما يتعلق بإيران وروسيا، وما يمكن أن يفعلهُ البَلدان إذا سقط السد السوري في وجه جحافلهما؟ أسئلةٌ خطيرة تحتاج إلى جديةٍ في التفكير وحسمٍ في القرار، وبالتأكيد قبل تاريخ 25 فبراير الحالي.