14 سبتمبر 2025
تسجيلرغم أن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشارا في أمريكا وأوروبا إلا أن المسلمين مقصرون كثيرا في الرد على الصور النمطية وعمليات التشويه والتضليل الموجهة ضد الدين الحنيف من جميع الأطراف والجهات. حيث أصبح الإسلام يُستعمل مرادفا للإرهاب والجرائم والأعمال الوحشية والعنصرية والجهل والتخلف والتعصب. في محاضرة عن الإسلام والإعلام دعا أستاذ الديانات المقارنة زكير نايك المسلمين للتعامل بصفة علمية ورشيدة مع وسائل الإعلام وطالب المسلمين في جميع أنحاء العالم استغلال واستعمال هذه الوسائل للرد على الحملات الدعائية الموجهة للتضليل والتشويه والنيل من الإسلام. وأكد العالم الهندي على ضعف المسلمين في تسويق الصورة الحقيقية لدينهم وشرحه وتفسيره وتقديمه للآخرين بطريقة سهلة وواضحة ومفهومة. كشفت الأعمال الإرهابية المختلفة عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس والبشر والرأي العام، حيث أصبحت كلمة الإسلام مقرونة بالإرهاب وأصبحت وسائل الإعلام تفبرك وتصنع صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات تجعل من المسلم معادي للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. تعتبر وسائل الإعلام المحدد الرئيسي لرؤيتنا وتصورنا للآخرين وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد يقال عن الدول والمجتمعات، فما نشاهده في الأفلام وما نتصفحه في الجرائد والمجلات وما نشاهده في التلفزيون وما نسمعه في الراديو عن المجتمعات الأخرى وعن شعوبها يحدد إلى حد كبير موقفنا من هذه الثقافات ومن هذه الدول وشعوبها وهذا نظرا لاعتبارات عديدة من أهمها أن معظمنا يعتمد على وسائل الإعلام لتكوين مخزون معرفي معيّن وصور ذهنية وأفكار وإدراكات. وهذه الصور والمنتجات الإعلامية المختلفة هي التي تحدد سلوكياتنا وتصرفاتنا اتجاه الآخرين، إما بالقبول والاستلطاف والمعاملة الجيدة وإما الرفض والإقصاء والهروب والكراهية والرفض. وفي الكثير من الأحيان لا يستطيع الفرد أن يصمد أمام ما يُقدم له، بل يقف في غالب الأحيان مستسلما ولا يقاوم وإنما يتبنى ويتقبل خاصة إذا تعلق الأمر بالأشياء والقضايا التي تخرج عن اختصاصه ومعارفه.تؤكد الدراسات وجود علاقة ارتباطية إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك. وأغلب الظن فإن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية وأفكار مضللة متحيزة ستجني رأيا عاما سلبيا وبذلك ستكون في آخر قائمة الدول الصديقة والدول التي تتمتع بتبادل تجاري واقتصادي وثقافي معتبر، بل على العكس ستكون في أول قائمة الأعداء الذين تطبق عليهم سياسات التهميش والاحتواء والحصار بمختلف أنواعه وأشكاله. هكذا كان الأمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة. الدراسات التي عالجت موضوع صورة الإسلام والعرب في وسائل الإعلام الغربية جاء معظمها على يد باحثين غربيين، وقلة قليلة من العرب فقط اهتمت بدراسة هذه الإشكالية. وفي معظمها أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية منها من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب الدراسية ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام. وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة ولحقد على الأمة العربية والإسلامية ولجهل وتجاهل تاريخ المسلمين وحضارتهم وثقافتهم وأخيرا نتيجة للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام.وسائل الإعلام مقيّدة بآليات سياسة الدولة حيث إنها، بطريقة أو بأخرى، تمثل هذه السياسة وتدافع عن النظام الذي تعمل في إطاره. فالحركة الصهيونية، على سبيل المثال، وعبر تنظيماتها المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وتتحكم بذلك في محتواها وتحددها وفق ما يخدم مصالحها وأيديولوجيتها وأهدافها، وهذا عملا بتوجيهات وتوصيات برتوكولات حكماء صهيون. والأخطر من هذا أن رؤوس الأموال الصهيونية توّظف في المقام الأول في وسائل الإعلام والصناعات الثقافية وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام وفي تفكير وإدراكات البشر. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وُظف بطريقة منظمة ومنهجية من أجل تقديم صور ذهنية وصور نمطية عن الإسلام والعرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب وتقديم صور نمطية تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم وهذا الرأي العام يسّهل مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم وتساند وتساعد الكيان الصهيوني من دون نقاش ولا مساءلة.وحسب بعض المختصين والباحثين فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية الإسلام من قبل وسائل الإعلام الغربية يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار القطبية الثنائية حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتهميشه للثقافات والديانات المختلفة في العالم خاصة الإسلام. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح هذا الأخير يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا.في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للإسلام من قبل الإعلام الغربي نلاحظ أزمة في الإعلام العربي في عملية تسويق صورة إيجابية وصورة تصّحح هذا الخلل. فالإعلام العربي لم يحدد إستراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي. فالصناعات الثقافية العربية مازالت ضعيفة جدا لم ترق إلى العالمية ولم تعرف كيف توّظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخرين، والإعلام العربي ما هو إلا انعكاس للأنظمة العربية التي تعاني من مشكلات وتناقضات هيكلية وتنظيمية وإدارية كبيرة جدا جعلت من المنظومة الإعلامية نفسها تتخبط في دوامة من المشاكل والضغوط قد لا تؤهلها للقيام بدور فعّال على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن الأنظمة العربية ركّزت جهودها في استخدام الإعلام كوسيلة للسلطة وتثبيت الشرعية والتحكم والرقابة، ولم تول أي اهتمام للبعد الخارجي أو الدولي الذي من المفترض أن يكون من المهام الإستراتيجية للنظام الإعلامي في كل دولة عربية ومسلمة. نخلص إلى القول إن معركة الصورة هي المعركة الحقيقية اليوم على المستوى الدولي وأن من يكسب معركة المعلومات وصناعة المعرفة وصناعة الحقيقة والرأي العام، من خلال الدور الاستراتيجي للإعلام، هو الذي يسيطر ويقود العالم في الاتجاه الذي يريده حيث إنه يحدد كيف يفكر الناس وبماذا يؤمنون وكيف يرون العالم وينظرون إليه ويفهمونه، فوسائل الإعلام اليوم تحدد لنا ماذا نفكر وكيف نفكر ومتى نفكر، ومع الأسف الشديد، محتوى وسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي اليوم مستورد بنسبة تفوق الثمانين بالمائة وهذا يعني أن الآخرين هم الذين يحددوا لنا أنماط تفكيرنا وأسلوب حياتنا وغذاءنا وملابسنا. وبالمقابل نحن لا نقدم شيئا للآخرين ولا نجرؤ حتى على تفنيد أكاذيبهم وأساطيرهم. أما عن تقديم الصورة الحقيقية للإسلام والحضارة الإسلامية ومساهمتها في نشر العلوم والمعرفة فهذا موضوع آخر قد يتعذر الكلام فيه في ظل ثقافة الاستهلاك وغياب الإنتاج.