13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن خاضت " جبهة الإنقاذ " في مصر معاركها ضد الرئيس والإخوان وحلفائهم " معركة النائب العام، والتأسيسية، والدستورية، والاستفتاء، ومحاولة استجلاب التدخل الأجنبي على غرار ما فعل البرادعي والكاتب اليساري " علي سالم ".. هم اليوم يحاولون جر الجيش المصري للمشهد من جديد بالطلب المباشر كما يفعل الإعلامي " عماد الدين أديب " على قناة السي بي سي أو غير المباشر من خلال التصعيد وإثارة الفتنة واستفزاز الطرف الآخر للرد على الحرق بالحرق وعلى القتل بالقتل وعلى تشكيل المليشيات المسلحة بمثلها.. وأقول: لا شك أن المشكلة كبيرة، وأن المنعطف الذي تمر به مصر جد وعر وجد خطر، وأن مصر كلها مفتوحة اليوم على مصراعيها أمام كل مخابرات العالم الموالية لمصر ولا خوف منها والمعادية لها ويجب الحذر منها وترصدها.. ولا شك أن أسوأ السيناريوهات يصير ممكنا ومتوقعا في ظل هكذا صراع أحد طرفيه والمبادر فيه منفلت من كل القيم الوطنية والأخلاقية.. ومع ذلك لا بد من نظر وتثمين ثلاث حقائق يجب وضعها في الاعتبار والثقة بأنها ستجنب مصر السقوط في مستنقع ما يفضله أعداؤها وما يسعى إليه بعض من هم في داخلها من الفتنة والانفلاج – لا قدر الله – والحقائق الثلاث يعبر عنها المثل المصري الذي يقول " المهم من يضحك في الآخر ".. أما الحقيقة الأولى فهي: أن الطرف الآخر من معادلة الصراع – أقصد الرئيس والإسلاميين وحلفاءهم الثوار – يعرفون الهدف الحقيقي وراء كل هذا التصعيد.. وأن المراد منه هو الجرجرة إلى تصعيد مقابل بغاية نهائية هي إفشال التغيير وتعطيل مشروع الإسلاميين وشغل الرئيس وإهدار فترته كلها بالصراعات بعيدا عن أية رؤية استراتيجية ليكون في نظر الشعب لم يوفّ بما وعد فلا ينتخب مرة أخرى.. هذا ما فهمه الرئيس والإسلاميون منذ البداية لذلك وجدناهم وحلفاءهم لا ينجرون لهذه المعارك.. رأينا ذلك منهم يوم الاتحادية إذ استشهد منهم تسعة، ويوم حرق الـ 28 مقرا للإخوان، ويوم حوصر مسجد الشيخ المحلاوي بالإسكندرية.. كما رأيناه في خطابهم التبريدي والتصالحي المستمر.. بالتالي فالأمور غير مرشحة للفلتان في ظل ما يتوقع من استمرار تعقل الطرف الآخر وطول صبره وكثير احتماله.. الحقيقة الثانية هي: أن الشعب المصري عرف قيمته وثقله ووزنه ودوره ولم يعد يقبل أن يتأله أو يتربب عليه عدو خارجي ولا طاغوت داخلي ولا بالزور والباطل والإرهاب ولا بالمجاملة والخديعة والتسويف بعد أن أسقط " الساقط " وأخرج المجلس العسكري الذي ولاه " الساقط " لقطع طريق الثورة من المشهد، وبعد أن انفضحت أمامه تحالفات من يدّعون الإنقاذ مع المال الفاسد والرموز الفاسدة.. هذه الضمانة أو " المعرفة " هي التي غيرت نسب الانتخابات والرأي العام بين ما حصل عليه رموز جبهة الإنقاذ مضافا لهم أبو الفتوح وأتباعه وعمرو خالد ومريدوه والبلطجية وأموالهم.. الذين لم يجمعوا في الاستفتاء الأخير على الدستور أكثر من 34% من أصوات الناخبين وهم الذين كانت مجموع نسبة ما حصلوا عليه قبل ذلك بستة أشهر في انتخابات الرئاسة يتجاوز الـ 75%.. الحقيقة الثالثة: هي أن الجيش انسحب من الحياة السياسية بعد أن اقتنع بأن الانقلابات العسكرية لم يعد لها منطق في ظل ثورة شعبية وفي ظل ضعف المؤسسة الشرطية والأمنية المدنية ولم ينسحب عن طواعية أو عن رغبة ذاتية.. بالتالي فهو لا يفكر في العودة لما اقتنع أنه لا يستطيعه.. ولنتذكر أن الجيش كان في السلطة وأن المجلس العسكري كان يرسم لتأبيد بقائه فيها وأن المشير طنطاوي أصدر من الإعلانات الدستورية ما يؤكد هذه النية.. ومع ذلك خرج من المشهد بالانتخابات التي كان يستطيع تزويرها، ولما أقيل المشير طنطاوي والفريق عنان وكلف السيسي بقرار رئاسي سكت الجيش ولم ينبس ببنت شفة.. فهل كان ذلك إلا بضغط الثورة والمتغيرات بها.. لهذه الحقائق وتفاعلاتها وجدنا الثورة تحقق أهدافها تباعا، ووجدنا الهزائم الحقيقية تتوالى على خصومها في كل المعارك التي خاضوها، ووجدنا الرئيس وإن أبدى مصالحة ومصانعة لخصومه ثابت الاتجاه يحصد النتائج الإستراتيجية، وما ذلك – من وجهة نظري – إلا لأنه يحس بالمسؤولية الدينية والتاريخية تجاه منع الفتنة، ولأنه لا يريد كسر مفاهيم الثورة في التعبير عن الرأي والرغبة في التغيير وإن اعتراها أخطاء من معارضة مستجدة على أجواء ثورة حقيقية سقوفها عالية، ولأنه مؤمن بأن المشروع الإسلامي لا يجوز أن يشارك في إسقاط مصر تحت أي ظرف.. من هنا فأصوات بعض " الدعاة والغيورين والوطنيين والثوار الحقيقيين " الذين انجروا للاستفزاز وقاموا يدعون الرئيس لاستعمال صلاحياته الدستورية في مواجهة الخصوم ووصل ببعضهم في لحظة غفلة عن الحصيلة النهائية للتصعيد والتصعيد المقابل أن يتهموا الرئيس بالضعف والتردد، وأن يهددوا بأنهم سيأخذون على عاتقهم تأديب هؤلاء الذين " بيخافوا ما بيختشوش " - كما يقولون – أقول: هؤلاء إن كانوا جادين فيما يقولون وليس من قبيل الحرب الإعلامية والتهويش عن بعد إنما يغرقون وينجرون من حيث يدرون أو لا يدرون إلى مرادات وأداء مصر وأداء ثورتها.. آخر القول: في مثل هذه اللحظات الحاسمة والحرجة التي تمر بها مصر على الناس أن يحتكموا للعقلاء لا للانفعاليين، وأن ينظروا في مآلات الأمور التي يجب أن تحكم المقدمات وأن تتحكم في المواقف ؛ ولئن كان الآخرون مغامرين بمصر ومصيرها فلا يجوز أن يكون الإسلاميون والغيورون على مصر مجرد منفعلين بالأحداث منقادين لمشاعر الغضب ؛ فهم أم الولد والخاسر الأكبر إذا انفلتت الفتنة لا قدر الله.