16 سبتمبر 2025

تسجيل

شباب النيل.. بين التحرير ومخالب أمريكا وإسرائيل

07 فبراير 2011

الاتحاد قوة والتفرق ضعف، عبارة حفظناها منذ الصغر مؤيدة بقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..) آل عمران وعرفنا من ذلك عظمة التضامن والتعاون لصد اعتداء المستعمر من جهة أو الوقوف في وجه الطاغية المستبد من جهة أخرى وأفدنا- كما في المقالة السابقة- كيف أخذ الداعية المجاهد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله يعلمنا من تجاربه الكثير النافع قال في كتابه "هكذا علمتني الحياة": صادفت جماعة من النمل بعيراً متجهاً نحوها فقال بعضهن لبعض: تفرقن عنه كيلا يحطمكن بخفه فقالت حكيمة منهن: اجتمعن عليه تقتلنه! فالتكاتف والتعاضد يأخذ بيد الضعفاء المتفرقين إلى القوة ماداموا على ذلك واذا تشتتوا وافترقوا ولم يعتصموا قلبا بقلب ويدا بيد ذهبوا أدراج الرياح وذلك كما أكد الشاعر: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا وهكذا فما رأيناه ونراه في اسبوع الصمود هذا من تزاحم المتظاهرين من أركان مصر الأربعة وجموعهم بالملايين في ميدان التحرير يؤكد معنى الاتحاد والاعتصام ليرسل رسالة إلى طاغية مصر وطواغيت العالم أن الشعب وحده هو صاحب ومالك القرار لاسيما أن الجميع يلتقون شبابا وشوابا رجالا ونساء مسلمين ومسيحيين لهدف واحد هو إعلاء الحق ورفع راية الكرامة والحرية وتطبيق التغيير الذي يجب الوصول إليه بالاصلاح السلمي والإرادة وليس بالقوة المستبدة، هؤلاء هم أسود مصر الذين يعتبرون في هذه الحقبة من تاريخها كما كان أسلافهم الرجال الأحرار الذين يكونون محور المعادلة في الصراع بين الحاكم المتجبر والمحكوم المظلوم وهم أول اللاعبين وأقواهم أمام المشهد السياسي الحالي في ميدان التحرير لأنهم عرفوا دورهم نحو الوطن الغالي بدينهم العظيم وأخلاقهم النبيلة يريدون أن يحبطوا سحر الساحر ويخذلوا فرعون وهامان وجنودهما وكما يقول السباعي فإن الوطنية والرجولة أن تحبط مكر أعدائك وبهذا تكون وفيا للدين والوطن: إن هؤلاء الاشاوس علمونا كيف يمكن كسر حاجز الخوف الذي يهيمن على الكثيرين من المضطهدين والبؤساء فمن كان يتصور أن الجيل المخنوق في مصر والذي جعله الطاغية مستكينا قهرا واستعبادا في واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ينهض من هذا القعود وثابا كالأسد الهصور، لا ريب أن الضغط يولد الانفجار وأن دماء ودموع الثكالى والمظلومين لابد أن تفتح منافذ الأنوار من ثقوب الظلماء الدامسة لقد سطر هؤلاء ويسطرون ملاحم البطولة، بمختلف المعاني، بطولة الشجاعة والصمود وبطولة الوقفة الانسانية التي لم تفرق في التلاحم بينهم وإن اختلف البعض ديناً، إنهم التقوا بكل أطيافهم السياسية لهدف التغيير بكل محبة وتضحية إذ لا يزول نظام فاسد ورأسه دون الاتحاد والتفاني، وثمن الحرية عظيم عظيم إنه الدم والتعب ومواصلة الاصطبار، إنهم الطلقاء الحقيقيون في ميدان التحرير بينما نجد قصور الظالمين قد أصبحت سجونا إذ يرتعدون من هذا الشعب الأبي العزيز، بل يفهمون أولئك الطغاة الذين لا يستطيعون الانتصار على أنفسهم حقنا لدماء الشعب أنهم الاقل قوة وهيبة كما قال مكرم عبيداً قد يكون المنتصر على غيره قويا لكن من ينتصر على نفسه هو الأقوى، ولكني أقول: أين قوة الضمير عند هؤلاء الطغاة إن جنرال آخر زمان الذي طويت صفحته إلى غير رجعة كما قال محمد حسنين هيكل يريد أن يحرق مصر ويدمرها من أجل أن يبقى، لقد جاء هؤلاء الاسود ليكرروا على مسمع النظام في مصر والعالم قول أبي العلاء المعري: إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة فإنا على تغييرها قدراء ويكرروا قول (سالازار) قد يكون من السهل الوصول إلى الحكم لكن من الصعب أن تحكم، أي لابد أن تحقق النتائج على الأرض دون ظلم ثم هل أتاكم أن الفرحة إنما تنبع من أعماق الحزن كما ينبثق الفجر من الظلام، أليست فرحة العبادة والصلاة في الميدان والدعاء ومؤازرة العالم لهم أعز وأكبر من المعاناة التي تمثلت في الهجوم عليهم، هناك قتلى وكلمى بالمئات والآلاف بل لقد تمت فرحة أحد الفتيان وإحدى الفتيات بعقد القران في ميدان التحرير وبين حشود المتظاهرين إنها ذكرى لن تمحى من ذاكرة الزمان أبداً للعروسين والناس. فيا شباب مصر الاشاوس البسلاء إن معرفتكم بأهداف المعركة مع أعداء الأمة قد تقصر أو تطول ولكنكم في تجربة إثر تجربة تنتقلوا من نصر إلى نصر فلا تيأسوا واذكروا قول الشاعر عمر أبي ريشة: شرف الوثبة أن ترضي العلا غلب الواثب أم لم يغلب لكنكم غالبون بإذن الله وأنتم الرقم الصعب في المعادلة استراتيجيا وأهم الظواهر المميزة لجيل اليوم والغد يا أغرودة الأمل الباسم في النيل والوادي الجميل يا من هم أحق بحماية الوطن من غيركم فابقوا حارسين له داخليا وقفوا من أعداء الخارج الذين يتربصون بكم كالأمريكان والإسرائيليين موقف الليوث إذ تذود عن عرائنها، وتأكدوا أن سجالكم على الجهتين لم ولن ينتهي أبدا لأن صراع الحق والباطل كذلك وإن العالم إلى اليوم لم يحظ بقيادة راشدة حكيمة تنهي النزاعات وإذا أردنا معكم أن نحلل أحداث مصر اليوم في هذا الصدد فإننا نتساءل بدهشة: هل غدت أمريكا ألعوبة إسرائيل أحرص من زعماء مصر وأغير عليها أم أن الأمر مختلف ومبني فقط على المفاجأة التي أذهلتهم أن يبدأ بالتهاوي أكبر حليف استراتيجي لهم اليوم لاعتداله حسب وصفهم سياسيا، خاصة تجاه مصالحهم ومصلحة إسرائيل لاشك أنه معتمد عليهم وهم الذين يكيلون بمكيالين لن يخسروه فبماذا يجيبون، وبما أنهم يدعون إلى الحرية وحقوق الإنسان ظاهريا مع أنهم يعملون على مسخ الهوية للشعوب فإنهم بداية أيدوا المتظاهرين ودعوا إلى الاصلاح ووقفوا منزلة بين المنزلتين دون الخيار إلى مبارك ولا إلى الشعب مذبذبين دون قرار وقد بدا هذا من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خاصة بعد جمعة الغضب ثم كونت الإدارة الأمريكية حلقة نقاشية لمعالجة الأزمة ثم عقد الرئيس أوباما جلسة مع كبار مستشاريه وكذلك مع نائبه جوبايدن في جلسة أخرى ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، واذيع أن واشنطن تعمل على رفع حالة الطوارئ بالضغط على القاهرة. وقد صرح أعضاء جمعية الصداقة المصرية الأمريكية بأن التغيير تأخر كثيرا وصرح ديفيد لابان المتحدث باسم البنتاجون بأن الأحداث كشفت ضعف أمريكا في المنطقة واستبان بعد ذلك أن واشنطن اسرعت للتوفيق بين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ودعوتها للاصلاح لكن أوباما صرح أكثر من مرة ومازال يصرح بأنه يريد انتقالاً فورياً للسلطة ولكنه بعد أن ارسل مبعوثه ويزنر إلى مصر طلع علينا الأخير يقول: على مبارك أن يبقى حتى يقوم بالتعديلات وأن هذا أولى لاستقرار مصر، ثم عادت الإدارة الأمريكية لتنوه بأن هذا رأى ويزنر وليس رأى الإدارة! إلى غير ذلك من هذه التحولات السريعة المتقلبة التي تثبت بلا ريب أن الوحش إنما يستر مخالبه بالحرير ليخدع فريسته فهي لا تريد إلا حاكما تابعا لها وتعمل على كسب الوقت عسى يبقى مبارك ليحقق لها أهدافها أكثر للمرحلة المقبلة فهي الوحيدة التي تتحكم بمصائر الملايين وليس مصر فقط زد إلى ذلك امتلاكها مراكز بحوث همها الوحيد إجهاض أية نهضة عربية أو إسلامية، أمريكا لا تعمل إلا لبقاء مصالحها وإن تغيرت الشخوص، ولكنها مسألة وقت وإن كانت تثق تماما برئيس الجيش طنطاوي وبنائب الرئيس عمر سليمان خاصة فيما يخص تلبية ربيبتها إسرائيل إذ تعمل على احتكار قوتها في المنطقة وترفع يدها عن مطالب الفلسطينيين، إن أمريكا وإسرائيل شريكان ولن تخرج أمريكا من الكهف الإسرائيلي وهي المتفهمة لملاحظات نتنياهو عن وضع إسرائيل حيث بقي ومايزال على التشاور قبل أو بعد تنحي مبارك، وهو الذي يشبه ثورة الشباب بثورة إيران ويخوف من الإخوان المسلمين ويشترط في كل حكومة استمرار اتفاقية السلام السابقة ويجتمع مع مجلسه المصغر عدة مرات ويصغي لابن اليعازر وهو يعتبر أن مصر هي الدولة الأهم لإسرائيل فهل نقلل من دورهم في الاحداث؟ لا ولكن يد الله فوق كل الايادي. [email protected]