11 سبتمبر 2025

تسجيل

تضميد جراح الاقتصاد العالمي (1- 2)

07 يناير 2021

أعود مرة جديدة للكتابة حول الآثار الاقتصادية المدمّرة لجائحة كوفيد - 19، فيما يشبه جردة عامٍ مضى وآخر يطلّ حاملًا معه بشائر الحدّ من انتشار هذا الوباء تمهيداً للقضاء عليه. ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها العالم لهجمة وباء. الطاعون والإنفلونزا الإسبانية مثالان صارخان على قوة الأوبئة وضخامة الأرواح التي حصدت. لكن الهجمات الكبرى السابقة كانت قبل أن يتسلّح الإنسان بهذا التقدم العلمي الذي حصَّنه وحسَّن ظروف معيشته، وقبل الثورات التكنولوجية المتعاقبة التي ضاعفت قدراته في وجه اعداء صحته: مستشفيات، مختبرات، أدوية وأمصال تروي تجارب نجاح في مسيرة رفاهية الإنسان وسلامته، ربما لهذا السبب أصيب العالم بما يشبه الذعر، الشهور الماضية ضُخَّت في عقول الناس أمواجٌ من الكآبة. بدا العالم عالقاً في فخ كورونا من دون وعد قريب بالخروج أو الإفلات. ◄ الاقتصاد العالمي: آلام وتحفيزات لم يشهد الاقتصاد العالمي أزمة مثل تلك التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، حيث طالت التداعيات كافة مناحي الاقتصاد وقدرّت الخسائر جراء ذلك بنحو 28 تريليون دولار، حسبما ذكر صندوق النقد الدولي في آخر إحصاءاته في شهر تشرين الأول/‏‏أكتوبر الماضي، فضلًا عن تباطؤ معدلات نموه وضرب مقومات العرض والطلب، بسبب فرض قيود الحجر الصحي وحالة الذعر لدى المستهلك، في ظل التوقعات باستمرار آثار تلك الأزمة لسنوات عديدة. لكن المثير للقلق هو مخاوف استمرار تلك التداعيات لفترة ليست بالقليلة، وهو ما قالته المستشارة الاقتصادية في صندوق النقد، جيتا جوبيناث، حيث رجّحت استمرار الضغوطات لفترة طويلة وسط درجة مرتفعة من الشكوك في ظل وجود توقعات بحدوث موجات أخرى من العدوى بالفيروس، ما سيؤدي إلى زيادة الإنفاق على مكافحة الوباء وتقييد اسعار الفائدة والظروف المالية ما يجعل الديون العالمية تتفاقم أكثر وأكثر. وتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن تخسر أغلب اقتصادات العالم حوالي 2.4% من ناتجها المحلي على مدار 2020، ومن المرجح أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 4% هذا العام، كما تراجع حجم التجارة العالمي بنسبة 20% وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 40% وهبطت أحجام التحويلات بمقدار 100 مليار دولار. وبسبب تلك الأزمة تأثّرت قطاعات كبرى كالسياحة والطاقة وقطاع النقل الجوي، والذي حذّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي «اياتا» في تقرير من تفاقم الأضرار التي لحقت به بسبب الفيروس وتداعياته والمتمثلة في توقف الحركة الجوية، متوقعًا أن تخسر منطقة الشرق الأوسط نحو 1،7 مليون وظيفة في قطاع النقل الجوي والقطاعات المرتبطة به خلال عام 2020، ويمثل هذا الرقم نحو نصف عدد الوظائف المرتبطة بقطاع النقل الجوي في المنطقة والبالغ عددها 3،3 مليون وظيفة. في مقابل هذا الواقع، ساعدت التدابير المالية التي أعلنتها العديد من حكومات العالم والتي وصلت إلى 20 تريليون دولار على تخفيف التأثيرات السيئة التي تعرضت لها الشركات والعمّال بسبب الوباء الذي تسبب في إغلاق المصانع والشركات معظم الشهور الماضية وحظّر حركة الناس، ما أدى الى هبوط الطلب وضعف الحركة الشرائية، لكنها في الوقت نفسه سبّبت أضرارًا مضاعفة. فقد دفعت الأزمة الى تفاقم المديونيات وعدم الثقة في عملات دول كبرى في العالم وهي الإشكالية التي ستظهر بصورة جلية خلال أعوام 2021 و2022 وسط لجوء جميع البنوك المركزية الى تخفيض نسب الفائدة لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني تباطؤاً بسبب كورونا. فالدول حتى لا تتوقف حركة اقتصاداتها ضخت مزيدًا من السيولة في الأسواق، وهو الأمر الذي سيخلق تضخمًا، وهذا التضخم الرأسمالي ستستطيع بعض الدول إدارته بصورة جيدة والبعض الآخر ربما تفلت الأمور من يديها بسبب ارتفاع نسبة الديون للناتج المحلي. ودفعت نسبة الديون العالمية الناتج الاقتصادي العالمي الى اكثر من 100% لأول مرة كما جاء في تقرير النظرة المستقبلية الذي أصدره صندوق النقد الدولي مؤخرًا، حيث أكد فيه أن الزيادة في هذه النسبة اقتربت من 19 نقطة مئوية لتتجاوز بكثير ما حدث في عام 2009 اثناء الأزمة المالية العالمية. ◄ مخاوف ومستويات قياسية إن الاقتصاد العالمي لا يتحمل موجة ثانية لتفشي کورونا، وهناك توافق دولي على عدم تكرار سيناريو الإغلاق الكامل إلا أنه قد يكون مطروحًا حسب قوة الموجة. إن عقارًا فعالًا هو الأمل الوحيد لاستمرار وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي وتعويض الخسائر التي تكبّدها. في اعتقادنا أن سياسات البنوك المركزية للانقاذ ستستمر إذا لزم الأمر، والشيء الوحيد الذي من المتوقع أن يظل داعمًا للاقتصاد هو السياسة النقدية، فمن المهم أن نلاحظ أن احتمال حدوث الموجة الثانية يعتمد على مدى سرعة وفعالية اللقاحات المتوافرة حاليًا والمناعة التي تحققها للمجتمعات وضمن أية هوامش زمنية، وما إذا كانت أنظمة الرعاية الصحية حول العالم لديها القدرة على التعامل مع تدفّق المرضی بكثرة اذا لزم الأمر. إن مخاطر موجة ثانية قد تعصف باستقرار أسواق النفط مع انكماش الطلب المتوقع، كما سيؤثر على أسواق الأسهم التي استعادت عافيتها إلى حد ما في بعض الأوقات وبدأت تحقيق مستويات قياسية لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن زيادة الإقبال على الملاذات الآمنة، الأمر الذي زاد من الطلب على الذهب، مما أنعش أسعاره لتجاوز مستويات 2000 دولار للأوقية ثم الى 2300 دولار. لا يتحمل النظام المالي العالمي تقديم برامج تحفيز مالي مثل ما قدمته خلال الجائحة والتي فاقمت أوضاع الديون وزادت مستويات السيولة في الأسواق بشكل يهدد ظهور فقاعة من الديون إذا فشلت الشركات في سداد القروض مع موجة تفشّي ثانية. ● رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية