21 سبتمبر 2025

تسجيل

وأخيراً نطق وليد جنبلاط!

07 يناير 2012

فجر رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط قنبلة لا تزال شظاياها تلاحق كل ساكت عما يحدث في سوريا أو متواطئ مع النظام في سفك دماء الشعب السوري بحجة ملاحقة عصابات مسلحة تعيث فسادا وقتلاً على طول الجغرافية السورية وعرضها. وكان من تداعيات هذا التفجير أن يسارع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري المحسوب على سوريا ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي يرفع شعار "النأي بالنفس عما يحدث " لطلب استفسار من الزعيم الدرزي حول صحة ما نقل عنه من تصريحات. وقد أظهر جنبلاط دعماً واضحاً للثورات العربية وتحديدا للثورة في سوريا وقد حمله على ذلك كما يقول عضو جبهته النائب أكرم شهيب الثقافة التاريخية العالية والحس القومي الذي لا تمحوه التكتيكات ولا السياسة اليومية. فتصريحات الزعيم الدرزي الذي يعرف عنه كثرة التنقل في المواقف هو في الصراحة الواضحة التي تتطلب شجاعة قلما تتوافر، إضافة لتوقيت صدورها حيث دعا إلى تغيير النظام في سوريا معتبراً أن الحل الوحيد هو التغيير الجذري للنظام. ولعل تصريحات جنبلاط تعكس أهمية محلية وإقليمة لأسباب عديدة، منها ما هو مرتبط بحيثية جنبلاط على الصعيد الداخلي اللبناني ومنها ما هو مرتبط بما يمثله من زعامة لأقلية تعيش في أكثر من قطر عربي. فهذا هو التصريح الوحيد الذي يأتي من خارج دائرة خصوم النظام السوري في لبنان مثل تيار المستقبل والقوات اللبنانية وغيرها. وتكتسي هذه التصريحات أهمية إضافية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يلي: - أن جنبلاط لديه كتلة مشاركة في الحكومة الحالية المحسوبة على قوى 8 مارس القريبة من سوريا والتي فيها لحزب الله الصوت الأعلى. - إنه مرتبط بعلاقة صداقة مع كل من حزب الله والنظام السوري بعد المصالحة الشهيرة له مع بشار الأسد في دمشق عقب أحداث 7 مايو واتفاق الدوحة 2008. - لكن الرمزية الأساسية لهذه التصريحات القوية والصادمة أنها تصدر عن زعيم أقلية دينية لها امتداد وجود ونفوذ في سوريا وهذا يعتبر على مستوى المقارنة نادراً ومناقضاً لما عليه في العادة تصريحات الزعامات السياسية للأقليات الدينية والعرقية. وإذا ما قارنا تصريحات جنبلاط بتصريحات البطريرك بشارة الراعي على سبيل المثال ندرك حجم الفارق وحجم الهوة في الرؤية والقراءة السياسية لدى القطبيين. ففي أول تصريح له بعد تعيينه، خرج البطريرك بشارة الراعي حين كان في زيارة رسمية لفرنسا قبل عدة أسابيع بموقف من الربيع العربي، حيث عكس نظرة بكركي للأحداث العربية خصوصا ما جرى ويجري حالياً في سوريا. يومها أثار الراعي جدلاً واسعاً في الشارع اللبناني لا يزال صداه حتى اليوم، وإذا ما أردنا تلخيص ما صرح به الراعي حينها نجد أنه: - أبرز قلقاً واضحاً لدى المرجعية المسيحية من التحولات في العالم العربي، إذ لا يراها مدخلا إلى الديمقراطية والحريات بقدر ما هي تعكس خوفاً على حريات وحقوق الأقليات في المنطقة - تخوفاً من وصول الإسلاميين للسلطة ووضع التيارات الإسلامية كلها في كفة واحدة وكأنها مرآة لتنظيم القاعدة. - تخوفاً من انزلاق البلدان في الشرق الأوسط نحو حرب أهلية يدفع فاتورتها أكثر ما يدفعها هم المسيحيون. - تخوفاً من بروز دويلات طائفية وأن يتكرر في العالم العربي ما يحصل في العراق من استهداف للمسيحيين. أمّا بالنسبة للموقف في سوريا فقد أظهر البطريرك الماروني دعماً واضحاً للنظام في سوريا، وطالب بمنحه الوقت الكافي لتنفيذ ما وعد به من إصلاحات، إذ إن الاستقرار مقدم على الحرية وبالتالي فإن الخيار هو "بين سيئ وأسوأ". هذا الكلام للبطريرك هو نفس الطلب الذي ينادي به النظام السوري وهي نفس المعزوفة التي تغني عليها النظم الديكتاتورية في المنطقة على شاكلة حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، وعلي عبد الله صالح، وغيرهم كثير. مرة أخرى، يقدم جنبلاط – وهو الحريص بلا منازع على طائفة الموحدين الدروز – أداء سياسياً متميزاً لكل حريص على طائفته مهما كان حجمها في هذا المحيط السني الواسع، وبالتالي فإن على الزعامات السياسية للأقليات العرقية والدينية في العالم العربي أن تدرك أن مصلحتها هي من مصلحة الأكثرية.