15 سبتمبر 2025

تسجيل

مونديال قطر 2022... والموازين المقلوبة

06 ديسمبر 2022

الحديث عن الموازين هنا، لا يعني موازين الحكم على المونديال من حيث النجاح والفشل، فالمونديال ناجح بكل المقاييس الموضوعية، ومن وجهات نظر عالمية وعربية ومحلية، بل يعني الحديث عن موازين التعامل مع المونديال ذاته، والتفاعل مع فعالياته أو عدم تقبله بصورة إيجابية لحاجة في النفس، فهناك الكثير من المتربصين لتنظيمه من الحاقدين والعنصريين الذين لا يريدونه أساساً أن يُنظم في المنطقة العربية لحجج واهية، ومبررات غير منطقية، وخصوصاً في قطر باعتبارها دولة عربية إسلامية في المقام الأول، وهذا واضح وجلي للقاصي والداني. ولكن قبل الخوض في هذه العبث، والمكائد الدنيئة، وغيرها من الأحقاد، لابد من تسليط الضوء على المونديال من لحظة انطلاقه. فالمونديال منذ بدايته كان رائعاً ومبهراً، فقد انبهر العالم بافتتاحه الاسطوري العالمي الراقي الذي مزج بين الثقافات الوطنية المحلية والعربية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وما يزينها من كرم وضيافة ورفعة خُلق وترحيب بالجماهير الكروية، وبين الثقافات العالمية وتوجهاتها وتكنولوجيتها، ونمط حياتها المتسارع الخطى، فالافتتاح كان لوحة تصويرية فنية رائعة عكست الثقافة الإسلامية الأصيلة حيث بدأ بتلاوة من آيات الذكر الحكيم، وتضمنت فنوناً كثيرة ذات خلفية موسيقية، ومشاهد فيديو تصويرية تعبر عن الصلة بين أصالة الماضي وإيقاع الحاضر ونقماته، وبوسائل تقنية حديثة. وبذلك فقد نال الحفل الافتتاحي إعجاب الجماهير في كل بقاع الأرض من الحاضرين في موقع الاحتفال في أستاد البيت بمدينة الخور القطرية، أو الجالسين أمام شاشات التلفاز داخلياً وخارجياً، حيث كان البثُ مباشراً على القنوات الفضائية المتاحة لجماهير كأس العالم لكرة القدم. ولذا، فقد نجح المونديال رغم أنف الحاقدين المتشككين في قدرة قطر على التنظيم والاستضافة. فكان تنظيماً رائعا، واستضافةً راقيةً مغلفةً بكرم الضيافة، وطيب المعاملة، ومبطنة بالقيم الأخلاقية المتجذرة في المجتمع القطري والعربي. ويمضي المونديال شامخاً مستمراً في علوه وارتقائه يضيء الأجواء العالمية نوراً ساطعا وصيتاً ذائعاً طوال هذه الفترة منذ انطلاقه يوم السبت 20 نوفمبر 2022 إلى الآن حيث بداية الاسبوع الثالث، والدخول في منافسات الدور الثاني (دور الــ 16)، ولم ينخفض صيت المونديال، ولم يخفت له ضوء، ولم يبهت له بريق، فلازال براقاً متلألئاً في سماء الكرة الأرضية برمتها. وما هذا في الحقيقة إلا نجاحاً باهراً يحسب للمونديال، ولكن لهذا النجاح أعداء ومغرضون يملؤهم الحقد الدفين، والعنصرية المقُيتة التي بدورها تؤدي إلى اختلال الموازين والمقاييس، وبروز المعايير المزدوجة في التعامل مع المونديال قبل أن يبدأ. وإحقاقا للحق، ووضع المونديال في موازينه الموضوعية الصحيحة، فيمكن القول بأن مونديال العرب قد حقق أهدافه بجمع الجماهير العربية، ووحد كلمتهم حول قضيتهم الأولى «القضية الفلسطينية» فكان العلم الفلسطيني، والوشاح الفلسطيني وغيرها من الرموز الشعارات الفلسطينية حاضرة في كل أرجاء قطر، وفي كل فعاليات المونديال، مما أدى إلى حصار الوجود الإعلامي الإسرائيلي، وتحجيمه وتعريفه بقيمته الرخيصة عند الشعوب العربية، فالكيان الصهيوني منبوذ عربياً شعبياً. وبذلك أصبح المونديال بمثابة استفتاءٍ شعبي لرفض ما يسمي بالتطبيع الشعبي العربي كما يُروج له في دول التطبيع المجاني، والذي لم ولن يكون موجوداً أصلاً، فهو وهم لا حقيقة له على الإطلاق، وبذلك فقد ندم الإسرائيليون على حضورهم هذا المونديال الذي لم يحقق لهم مرادهم ولا في الحصول على مقابلة واحدة مع عربي واحد أثناء المونديال، فرجعوا بخفي حنين خائبين يلطمون وجههم من الحسرة والندم. كما يحسب للمونديال نشره للثقافة العربية بقيمها وأخلاقها الأصيلة من سماحة وضيافة وكرم وأخلاق ظهرت في تآلف وتفاعل المواطنين والجماهير العربية مع الجماهير العالمية وغيرهم مما أعطى صورة جميلة عن هذه الشعوب العربية الأصيلة، وعمل على تغيير صورتهم النمطية في الدول الغربية وأمريكا وغيرها ممن يتأثر بالإعلام الغربي المضلل. أما بالنسبة للتعامل مع الموازين المقلوبة كما ورد في عنوان المقالة، فقد تمثلت في بعض المواقف المشينة مثل موقف وزيرة اوروبية خالفت قوانين المونديال والتحايل عليها بإخفائها إحدى الشعارات، وهذا سلوك مشين وغير لائق من وزيرة. هذا علاوة على الهجوم الإعلامي الشرس على قطر ومونديالها العالمي قبل أن يبدأ، وأثناء انطلاقه في الوهلة الأولى، حيث مُنعَ نقل مراسم الافتتاح بعالميته على قنواتهم الرئيسية بسبب منع رفع شعار الشذوذ الجنسي، فماذا يسمى هذا، أليس حقداً وكراهيةً وموازين مقلوبة من المرتدين لثوب النزاهة والعدالة والحضارة، فهل هذه هي الحضارة؟ وكل هذا شيء، وما يأتي من بني جلدتنا ويلبس ثوبنا ويتحدث بلغتنا، ويدين بديننا شيء آخر، فأول من انتقد افتتاح المونديال بآيات من القران الكريم هم أخوة لنا من العرب والمسلمين حين ابدوا تذمرهم بقولهم كيف يمكن افتتاح حدث عالمي كهذا يحضره الكثير من غير المسلمين بآيات من القرآن الكريم، ولم تفرضونه على جماهير العالم؟ في حين أن الآيات القرآنية التي بدأ بها الافتتاح كانت آيات تحث على التجمع والتآلف والمحبة بين الشعوب، بعيداً كل البعد عن معاني العنف والكراهية، فهل هذا موضع انتقاد وتذمر يا أخوتنا في العروبة والإسلام؟ وخلاصة القول، فمونديال العرب هذا كان محكاً مُحكَماً لبني البشر حيث ميز بين الصالح والطالح، والأصيل والخبيث، والغالي والرخيص، والرفيع والوضيع. فمبروك لقطر مونديالها العالمي الاستثنائي الرائع. مونديال قطر 2022... والموازين المقلوبة كلية التربية – جامعة قطر