13 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة حزب «النداء» وعودة التوريث

06 نوفمبر 2015

أكدت الأزمة السياسية الأخيرة في «حزب نداء تونس»، أنها ليست أزمة ناجمة عن خلافات أيديولوجية وسياسية أو خلافات في البرامج والخيارات الاقتصادية، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول «التموقع» المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب. وتنذر هذه الأزمة الداخلية في حزب «نداء تونس» بتفككه على ضوء انقسامه إلى جناحين، واحد مؤيد للسبسي الابن والثاني مؤيد لمحسن مرزوق أمين عام الحزب.ويبدو أن الرئيس التونسي الذي نجح في جمع الدستوريين في حزب علماني هو النداء وخاض به الانتخابات التشريعية والرئاسية وفاز فيهما، يجد نفسه اليوم بين نارين فإما أن يضحي بابنه نائب رئيس الحزب أو بأمينه العام مرزوق وهو أيضا من المقربين منه، والذي يضع نصب أعينه أن يصبح رئيساً في قصر قرطاج. وتكمن خطورة أزمة حزب«نداء تونس» في التداعيات التي ستتركها على صعيد عمل مؤسسات الدولة في ظل تجربة ديمقراطية هشة، وعلى صورة تونس، وعلى الاستحقاقات الانتخابية القادمة، التي من دون شك ستكون سلبية. فمن تداعيات هذه الأزمة داخل حزب «نداء تونس»، سيناريو حدوث الانقسام في كتلته البرلمانية (86 نائباً)، فإذا ما انقسم الحزب إلى قسمين، أصبحت الكتلة الممثلة له أقل عددا من الكتلة الثانية (حركة النهضة 69 نائبا)، وسيشهد المشهد البرلماني آنذاك انقلابًا جذريًا. فالمشهد البرلماني بنيت هيكليته وموازين القوى فيه على تراتبية واضحة وحلف بين الأحزاب الأربعة(النداء، والنهضة، واتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس) مما شكل أغلبية مهمة مكنت الحكومة من الحصول على رقم قياسي من الأصوات بلغ 166 صوتًا، بيد أن هذا الرقم أصبح قابلاً للقسمة بعدما تشبث عدد من نواب نداء تونس (أكثر من 30) بالخروج من كتلة النداء وتشكيل «كتلة موازية»، ولئن كان قرارهم المبدئي الإبقاء على موقفهم الداعم للحكومة، فإن فرضيات التقارب مع أحزاب أخرى بدأت تتأكد بشكل تصاعدي. ويمكن أن يؤدي الانشقاق إلى انسحاب إحدى الكتلتين من الأغلبية، وتبقى رغم ذلك الحكومة قائمة، وقد تتحول إلى حكومة أقلية وتواصل مهامها ولكن تكون في هذه الحالة حكومة ضعيفة سياسيا، ولكن ضعفها لن يؤثر على وجودها وعلى استمرارها. ويمكن أن يمتد تأثير الانشقاق في الكتلة البرلمانية لحزب «نداء تونس» نحو تركيبته التنظيمية، إذ من المحتمل أن ينشأ من صلب الأزمة حزب جديد يكون على شاكلة ظروف نشأة الحزب أي حزب«نداء تونس». وكان هذا التصدع الذي يعيشه حزب «نداء تونس» متوقعًا لأن قيادات الحزب هذا اجتمعوا حول الرفض لمشروع حزب« النهضة الإسلامي» ولم يجتمعوا حول مشروع وطني ديمقراطي واضح. ويتهم يساريو حزب«نداء تونس»، التيار الدستوري الذي يستمد مرجعيته من الحزب الاشتراكي الدستوري الذي كان أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في ثلاثينيات القرن العشرين والذي يقوده حافظ قائد السبسي، بأنه يسعى إلى جرّ الحزب إلى تحالف مع حركة النهضة وإلى تجريده من هويته كحزب ديمقراطي حداثي. فالجناح الذي يقوده حافظ قائد السبسي يعتمد على مجموعة من رجال الرئيس السابق بن علي، أي «الرافد التجمعي »المنتمين السابقين (لحزب التجمع)، داخل الحزب وضع حد لسيطرة اليساريين والنقابيين، الذين يشغلون اليوم أكثرية «المواقع القيادية العليا في الحزب»، وأن المنتمين السابقين للتجمع يرون في السبسي الابن «الحليف المناسب» لإنهاء سيطرتهم. وكذلك يسعى السبسي الابن إلى التقرب من حركة النهضة لتثبيت أقدامه. والحال هذه، قد نكون أمام إعادة إنتاج «قضية» التوريث بإخراج جديد تبدأ على الصعيد الحزبي وقد تنتهي إلى قصر قرطاج الذي أبى بورقيبة أن يؤهل ابنه لدخوله رئيسا بعده، وحاول بن علي تأهيل زوجته وأحد أصهاره للإبقاء على الحكم في إطار"العائلة"، مسألة يتعين على «حزب نداء تونس »أخذها بعين الاعتبار. وهناك مخاوف حقيقية في تونس الآن من سعي الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي من تثبيت ابنه كوريث له في الحكم بالاستناد إلى أقلية محافظة. فالرئيس الباجي قائد السبسي أصبح ماهراً للغاية في العلاقات العامة. فهو يجيد استخدام لغة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأسواق الحرة، فيما يُثابر على الحفاظ على الأدوات القديمة والاعتباطية في عملية اتخاذ القرار. وخلال ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» في السنوات الخمس الماضية، سقطت الأنظمة العربية فيما يمكن تسميته «الجُمْهوريانيّة السُلالية»، وهو شكل من أشكال الحكومات يُترجم نفسه تقريباً بتعبير الإرْداف الخلفي: «الرئاسة الملكية»، هاهو الرئيس الباجي المنتخب ديمقراطيا، يريد أن يحافظ على الهيمنة العائلية على الحكومة التونسية، لكي تختصر الدولة التونسية إلى مجرد أدوات لتعزيز المصالح الخاصة والشخصية، بدلاً من تحقيق المصلحة العامة.