18 سبتمبر 2025
تسجيلتعيش ليبيا الآن في منتصف الطريق بين الواقعية والإحباط، وبين دعاة الفيدرالية ومعارضيها، في ظل الصراع القائم بين الأطراف المتنازعة على تقسيم فعلي للبلاد بين قبائل الشرق وقبائل الغرب، وإن كان هذا الاحتمال يبقى في الوقت الحاضر مستبعداً. لكن ماهو قائم في ليبيا الآن هو غياب الأمن وسيادة الفوضى، وانتشار أعمال القتل والعنف والسلب والخطف من جانب الميليشيات والعصابات المسلحة التي تسيطر على ثروات ليبيا، وتعيث في الأرض فساداً وظلماً أمام عجز الجيش الليبي عن التصدي لهذه الميليشيات، وتردي الخدمات وضعف أجهزة ومؤسسات الدولة، وغياب المشروع المجتمعي الجديد من جانب المؤتمر الوطني العام الذي انتخب في شهر يوليو 2012، والحكومة التي انبثقت عنه، من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على المؤسسات واحترام سيادة القانون، وتنصاع للإرادة الشعبية. في ظل هذا الوضع المزدري الذي تعيشه ليبيا، تم يوم 29 أكتوبر 2013 الإعلان عن تأسيس مجلس برقة الفيدرالي في ليبيا، برئاسة الشيخ أحمد الزبير السنوسي، وجاء الإعلان عن تشكيل هذا المجلس منفصلاً عن أفراد الميليشيا المسلحة التي يتزعمها الجضران، والتي تسيطر على منشآت تنتج نحو 60% من الثروة النفطية للبلاد في المناطق الصحراوية النائية المنتجة للنفط. ويبدو واضحًا أن البدء في تصدير النفط بطريقة مستقلة إلى السوق عن طريق البحر المتوسط دون أي اتفاق مع طرابلس، سيكون صعبًا على مجموعة الجضران، خاصة بعد تهديد الحكومة المركزية بمهاجمة أي ناقلة تحمل صادرات نفط غير مشروعة. ويُعد الإعلان يوم الإثنين 4 نوفمبر الجاري عن تشكيل حكومة ظل من جانب واحد في إقليم برقة شرق ليبيا الغني بالنفط، ضربةً رمزية للجهود التي تبذلها الحكومة الليبية لإعادة فتح موانئ وحقول النفط الشرقية التي أغلقتها ميليشيات وقبائل تطالب بنصيب أكبر من السلطة والثروة النفطية. وقد حضر أداء اليمين لأكثر من 20 وزيراً، إبراهيم جضران زعيم ميليشيا قبلية والقائد السابق لقوة حماية النفط في ليبيا المسؤولة عن حراسة منشآت النفط، والمنشق عن الحكومة المركزية في الصيف الماضي، بعد أن سيطر بقواته على أكبر ميناءين ليبيين وهما راس لانوف والسدرة. وقد سعى رئيس الوزراء الليبي علي زيدان إلى الاتصال بقيادات في شرق البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، لمحاولة لإعادة فتح موانئ النفط المغلقة في منطقة تنتج 60 في المئة من نفط البلاد، بعد أن أدت الاحتجاجات والإضرابات في موانئ وحقول النفط إلى خفض الإنتاج إلى نحو 10 في المئة من إنتاج البلاد الذي يصل إلى 1.25 مليون برميل يومياً. ويتهم جضران وكثيرون آخرون في شرق ليبيا زيدان والأعضاء الإسلاميين في المؤتمر الوطني العام بالفساد والإخفاق في توفير الأمن منذ إسقاط نظام القذافي. وسيضم مجلس برقة الفيدرالي قبائل الشرق الليبي، وسيعلن أحمد الزبير السنوسي أيضاً عن تشكيل برلمان، ومجلس شورى خاص ببرقة، ويمتد إقليم برقة من الحدود الليبية المصرية شرقاً، وحتى الوادي الأحمر بالقرب من مدينة سرت غربًا. ويذكر أن أحمد الزبير السنوسي، هو ضابط سابق في العهد الملكي، وصاحب أول محاولة انقلاب عسكرية على نظام القذافى عام 1970، والتي حُكم عليه بموجبها بالإعدام إلا أنه سجن 31 عامًا.وسبق أن أعلن إقليم برقة كيانًا فيدراليًا اتحاديًا مرتين، بقيادة الزبير السنوسي، ابن عم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي، لكن الأمر لم يتعد ذلك الإعلان. وقد رفض رئيس المؤتمر الوطني الليبي، نوري بوسهمين، شرعية أي كيان خارج إطار المؤتمر الوطني العام، في أول رد للمؤتمر على إعلان المكتب التنفيذي لإقليم برقة لحكومته. وأضاف بوسهمين في تصريحات تلفزيونية إن الإعلان الذي صدر في مدينة أجدابيا بشرق ليبيا من قبل المكتب التنفيذي هو إعلان لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم. في سياق مساعيها للاستقلال الذاتي، عينت منطقة شرق ليبيا الغنية بالنفط مؤخرا قياداتها العسكرية والإدارية الخاصة بها. وعُين نجيب سليمان الحاسي في منصب القائد الأعلى لقوات دفاع برقة ومقرها في برقة، فيما سيترأس عبد ربه عبد الحميد البرعصي المكتب التنفيذي والذي سيكون مقره في البيضاء، حسب إعلان رئيس المكتب السياسي للإقليم. ويرى المدافعون عن الحل الفيدرالي أمثال إبراهيم سعيد جضران، أن خطوة إعلان برقة إقليم فيدرالي تهدف إلى "إدارة شؤون الإقليم، وسد الفراغ الذي سببه المؤتمر الوطني والحكومة". لقد ظلت قبائل الشرق ملكية ولم تعترف يوماً بسلطة القذافي الذي ينتمي إلى قبيلة القذاذقة الصغيرة، المقيمة في سرت، لاسيَّما أن القذافي كان يكره بنغازي وأهلها، باعتبارها حاضنة السنوسية والملك السنوسي الذي انقلب عليه عام 1969. وكانت سلطة القذافي تستند، إضافة إلى قبيلته، إلى قبيلتين أخريين: الورافلة، الذين تجدهم في الجهاز الأمني، والمقارحة المتواجدين في الإدارة والعاملين في التجارة. وقد استبعد القذافي قبائل الشرق من جهاز الدولة وحرمهم من أرباح النفط. وهو حوّل مركز السلطة إلى طرابلس الغرب، كما في عهد الاستعمار الإيطالي. المعارضون الديمقراطيون للنظام والملكيون عملوا كلهم من الخارج، من مصر والسودان والتشاد. واستهدفت سياسة نظام القذافي الإفريقية في الثمانينات خلق أنظمة "صديقة" كان المطلوب منها طرد المعارضين الليبيين من أراضيها، فلجأ هؤلاء إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا. وفي ظل عجز الحكومة الليبية في طرابلس، يمثل إعلان قبائل الشرق تشكيل إقليم برقة الفيدرالي الذي يستمد "شرعيته" من الدستور الذي أقر في عهد الملك إدريس السنوسي عام 1951، تطوراًينتظر أن يذكي الاستقطاب الحاد الذي يشهده المجتمع الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي، بالنظر إلى تداعياته التي يخشى كثيرون أن تؤدي إلى جنوح البلاد نحو سيناريوهات التقسيم والانفصال.