26 أكتوبر 2025

تسجيل

نحن وأمريكا وروسيا

06 أكتوبر 2016

تمر العلاقات الأمريكية - الروسية في هذه الفترة بتأزمات حول الملف السوري والمنطقة وصلت بروسيا أن تتخذ قرارا بتعليق اتفاق التخلص من البلوتونيوم القابل للاستخدام في صنع الأسلحة النووية المبرم بينهما في 2010 وتصعيدا لفظيا ودبلوماسيا يذكرنا بالحرب الباردة التي استمرت بينهما لأكثر من أربعين سنة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ووراثة روسيا له ثم انسجامها مع ما سمي من بعد بالنظام العالمي الجديد.ولا شك أن جدية وجود هذه الخلافات والمدى الذي قد تذهب إليه كله موضع شك وظن.. ولكن الأقرب إلى منطق الوقائع - حسب رأيي - هو التفريق بين خلاف في العموم وهو حقيقي، واتفاق بخصوص منطقتنا وهو حقيقي أيضا.. وأقول: في البداية يجب أن نقر بأن منطقتنا منطقة تفاهمات بين المعسكرين الكبيرين منذ خمسينيات القرن الماضي وأن لها حساسية خاصة في المزاج الدولي لوجود الكيان الصهيوني فيها، وأنها عقر دار الإسلام الذي يناصبونه العداء ويحذَرون من أي تغير في معادلات الانتصار عليه.. ومن هذا المنطلق يمكن القطع بأن الخلاف الأمريكي – الروسي في منطقتنا يقف عند حدود التنافس، ولا يتوقع أن يتطور لأكثر من مقايضات السياسة وتدافعات المصالح، وسيظل كل منهما يعرف حدود ما يخصه وما يتجنبه وكيف يحافظ على تفاهمات استمرت منذ أعقاب الثورة الشيوعية.ولنلحظ في هذا السياق سماح أمريكا لروسيا بالوصول إلى المياه الدافئة وإلى حدود (إسرائيل) ما لم تسمح به من قبل! وسكوتها على توغلات إيران – الثورية – حليفة روسيا في منطقة نفوذها - أي أمريكا -! ولنلحظ انحياز أمريكا ضد السعودية رأس الخصام في مواجهة إيران وروسيا وآخره قرار الكونجرس لتعويض ضحايا 11 سبتمبر 2001 الذي يتوقع أن يكلف السعودية – إذا مضى حتى آخره - أكثر من ثلاثة تريليونات وثلاثمائة مليار دولار! ولنلحظ رفض أمريكا الدائم لوصول الأسلحة النوعية للثوار في سوريا! هنا ينشأ السؤال: ما الذي تغير حتى تمكن أمريكا روسيا من دخول المنطقة من بابها الأوسع؟ والجواب: هي ثلاثة متغيرات فرضت ذلك، فإن تحدثنا بالتفصيل: فأولها: أن أمريكا لم تعد ترغب في التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة بعد فشلها في العراق، وفي الوقت نفسه هي لا تريد أن تترك المنطقة للتمدد الإيراني أو التركي أو لصراعهما أو لداعش والثوار.. فاتجهت لروسيا لتقوم بالدور القذر المستعدة له ولدفع ثمنه من دمها ولحمها الحي.التحول الثاني: أن أمريكا بدأت تفقد اهتمامها بالمنطقة التي لم تعد مجدية اقتصاديا لها وصارت تتجه إلى الاهتمام بشرق آسيا وبحر الصين ؛ ولا بأس أن تقايض روسيا على تلك المنطقة.. هنا نتذكر مقالة كتبتها " هيلاري كلينتون " في العام 2009 في مجلة "فورن بوليسي" تؤكد فيه هذا التحول وتبرره.التحول الثالث: ما فرضته تحديات الربيع العربي الذي حمل الإخوان لسدة الحكم في أكثر من موقع وقارب أن يصنع تحالفا عربيا إسلاميا (يجمع إيران بقوتها الثورية، وتركيا بقوتها الصناعية وبعدها التاريخي، ومصر بقوتها البشرية والزراعية، ثم السعودية بقوتها المالية والدينية) فجاء الانقلاب المصري الذي دعمته أمريكا وحلفاؤها ليستهدف هوية مصر وتموقعها وثورتها، وجاءت محاولة الانقلاب التركي الذي لو قدر له أن ينجح لكان سحق تركيا سحقا مكانها ومكانتها وتطلعاتها، وجاء الصدام المذهبي الإيراني - السعودي لإغراق إيران في مستنقع حرب ممتدة متواصلة تستنزف مالها وتفكك حاضنتها وتبدد فرصة أي تحالف بينها وبين بيئتها الإقليمية، ووضعت للسعودية معادلات ضغط وتخويف وإشغال كالتي أسلفنا.كل ذلك اقتضى أن تستعين أمريكا بروسيا، وأن توثق تحالفها معها، وأن تقايضها على تدخل محسوب ووظيفي في المنطقة، يضمن مصالح الطرفين وإستراتيجية الاحتواء المزدوج لها ؛ الاحتواء الأمريكي القائم على دعوى الحماية والسيطرة لمنع خروج ردات الفعل عن الحد الآمن، والاحتواء الروسي القائم على الضرب الدموي المباشر. آخر القول: ما بين روسيا وأمريكا فيما يتعلق بمنطقتنا أكثر من مجرد تنسيق إلى أن يكون تحالفا وإن بدا غير ذلك؛ ويبقى أن على الأمة أن تبحث عن إمكاناتها هي الأخرى وعن تحالفاتها خارج وهم الاستثمار في الخلاف الروسي الأمريكي.