29 أكتوبر 2025
تسجيللا ريب أن فكرة الإسلام عن السلام والإرهاب فكرة عميقة تتصل بنظرته إلى الكون والحياة والإنسان، ومن هنا فإنه يؤكد على الفطرة النقية التي فطر الله الناس عليها وهي السلام والمحبة وهذا هو الأصل لكل من يعقل المفهوم الإنساني العادل في الإسلام ولذلك رأينا محمد صلى الله عليه وسلم يحضر حلف الفضول في الجاهلية لنصرة المظلوم ويقول إنه عقد في بيت عبد الله بن جدعان شهدته وهو حلف ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت" كما يروي ابن هشام في السيرة: أي إن العمل على العدالة الاجتماعية والانتصاف للمظلومين هو ديدن رسول الله في الجاهلية فكيف في الإسلام. وما الحرب في الإسلام إلا استثناء من الأصل للضرورة ومع ذلك فهي حرب أخلاقية تماما كما كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقواد الجيوش: لا تغلوا ولا تغدروا وليدا ولا امرأة ولا هرما وأوصى أبو بكر رضي الله عنه بعدم قطع الشجر و... وهذا ما نهلوه من رسولهم القائد. وإذا نظرنا إلى الحرب العالمية الأولى والثانية ثم ملاحقة دول الطغيان والاستعمار للضعفاء في العالم فإننا لا نرى هذا في نظام الإسلام لأن الحرب لم تكن لإكراه الناس على الدين ولا لاستعمارهم واستغلالهم وإذلالهم أبداً وهكذا فالإسلام يسعى إلى سلام العالم أجمع سلام الضمير وسلام البيت والمجتمع والدول والطوائف ما لم يعتد عليه فهنا لابد من المواجهة: إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها وحيث إننا نرى معظم نظم الحكم في بلادنا ضعيفة فإنها تنظر في ضرورة بقائها بالعمل على القضاء على المعارضة مما يفضي إلى نظم أمنية داخلية مقيتة هدفها تعزيز النظام السياسي التسلطي وحكم العائلة فبقاؤها أو فناؤها مرتبط بحراكها ضد الشعب لتخمد ثورته كما يحدث اليوم في سورية حيث تكالب الغرب والشرق في مؤامرة إرهابية كونية وتحت ذريعة القضاء على داعش والحقيقة أكبر من ذلك فلماذا لا يقضون على منبع الإجرام فهو وهم متفقون اتفاق السادة والعبيد وإلا لطار الكرسي من تحته فورا. وانظر في هذه المعاني كتاب الإسلام والغرب في كتابات الغربيين للدكتور زغلول النجار. وفي هذا المعرض لابد أن نؤكد عزم التحالف الغربي على تحقيق مصالحه المؤقتة والإستراتيجية. وكم أخطأ أوباما عندما أبان بعظمة لسانه أن التحالف يحارب الإرهابيين وأن أمريكا لا تريد إلا مصالحها في العراق وسورية والذي يخشى منه – وقد حدث بعضه – قصف مواقع الجيش الحر والمدنيين مع أن الغالبية العظمى من التنظيمات الإسلامية ليست متورطة بأي تطرف وإنما يجري اتهامها من أجل القضاء عليها. ولذلك فإن سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حاكم دولة قطر كان مصيبا عندما قال: نحن لا نشاطر أوباما بنظرته إلى الإرهاب والتطرف فإن كثيرا من المجاميع المعتدلة لا يقترب إليها هذا الوصف أبدا. ومن هنا فإننا يجب أن نقف ضد الإرهاب الإعلامي الصادر من مصانع الغرب وأن نستنكر ثقافة العنف والمبالغة فيها لمآرب معينة وأن يكون الإعلام رهن إشارتها وحسب شروطها وإملاءاتها وتستخدمه كسلاح ينضم مع الأسلحة الأخرى الحربية. ويجب ألا ننسى حراك اللوبي الصهيوني في أمريكا حيث هو المحدد الأول للسياسة الأمريكية وأيضا الروسية والفرنسية والألمانية وسواها كما كتب زكي علي السيد أبو غضة في كتابه الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام ص: 90 وأشار إلى حقد الصليبيين في فلسطين حيث إنهم منذ دخلوا بيت المقدس في القرون الوسطى ذبحوا سبعين ألفا وكتب القائد المسيحي للبابا أن سنابك الخيول تخوض في بحر من دماء المسلمين والخلف منهم على درب السلف بل أشد وما إنشاء أمريكا قوة ضاربة لديها بغية التدخل السريع في بلادنا إلا دليل واقع على ما نقول. أليس من العيب ألا تصنف أمريكا أكثر دولة لقتل المدنيين منذ حربها ضد أهل البلاد الأصليين؟ وكيف ضربت هيروشيما وناجازاكي؟ وما مشاهد العراق في الحرب الثانية والحالية عنا ببعيد. فهذا هو الإرهاب الدولي بعينه وإلا فهناك أساليب غير ذلك تستعمل مع مثل داعش كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما مع الخوارج فرجع ثلثاهم إلى الصواب. ولكن هل تستحق داعش كل هذا الحشد الدولي "إن وراء الأكمة ما وراءها" ولكن وللأسف الشديد فإن هذه الفرقعات تلقفها بعض حكامنا كالببغاءات وفاتهم أن الغرب بدأ حربه المجنونة دون بصيرة وهذه هي الحقيقة يقول" غود فروا كورث" في كتابه الصليب والهلال المنشور عام 1989: إن الإسلام قد عمل ما لم يعمله غيره ففي حين أن الصليب تغلب على جميع الأديان جاء الإسلام فغلبه وصرعه ولابد من الانتقام ومحاربة من حاربه آباؤنا كما في كتاب التعصب الأوروبي أم الإسلامي ص 28 وفي ص: 12 قرأنا أن المتعصب الروسي"جيرينوفسكي" الذي ظهر على المسرح السياسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي: إن جميع مصائب روسيا آتية من الجنوب (المسلمين) ولابد من حرب صليبية جديدة يشنها الجيش الروسي للوصول إلى شطآن المحيط الهندي والبحر المتوسط. أما الجنس التركي فلا يزال يهدد أمننا إنه ملعون! الأتراك الذين زحفوا نحونا صدموا أوروبا شديدا مما جعلها تفكر بإسقاط الخلافة ومن قرأ كتاب مائة مشروع لتقسيم الدولة العثمانية للوزير الروماني (ت. ج. دجوفارا) عن التعصب الإسلامي أو المسيحي، ط دار ابن حزم، عرف الخطوط وأدرك أنهم شملوا استعمار مراكش المغرب مع أنه لم يكن داخلا في غنائم أوروبا وليس تابعا للعثمانيين فهؤلاء قوم إرهابيون وإذا كان المؤرخون يعدد من قتل من السكان الأهليين للقارة الأمريكية على يد الأوروبيين بين 20- 70 مليونا فكيف بإرهاب غيرهم خصوصا المسلمين. إن دماءنا لديهم رخيصة لأنهم أسياد ونحن العبيد في عرفهم، ولكن الذي حدث في التاريخ أيضا أن أوروبا بدأت تنهض منذ القرن السادس عشر وتأخذ على عاتقها تطويق العالم الإسلامي وتابعت إلى أن حققت ما تريد واليوم تريد المزيد المزيد. والعلة حاليا فينا لإفهام حكامنا ومن ينسب إلى أهل العلم من المنافقين فلابد من رجعة ووعي بعيد النصاب. فكيف سنسكت هؤلاء الأوروبيين والأمريكان الذين طاشت أحلامهم وأصبحوا كما قال غوستاف لوبون: لقد تجمعت العقد الموروثة المتعصبة ضد الإسلام حتى أصبحت ضمن تركيبنا العضوي. أقول: إن المسلمين – كما نصح غيري – يجب أن يفهموا العقل الغربي كما فهموا هم عقولنا فاستعملونا لتحقيق مآربهم ونهب خيراتنا وبترولنا وتحريش بعضنا على بعض حتى لم يعد يعرف من قتل فيم قتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك نقول: كم في المحن من منح!.