15 سبتمبر 2025

تسجيل

التراث الشفاهي

06 أكتوبر 2013

الحديث عن التراث الشعبي وإرثه الثقافي حديث لا ينتهي كونه الثقافة الراسخة الخالدة لسكان البلد الأصليين في أي بقاع من بقاع العالم وفي هذا المجال الشاسع الكبير المفتوح آفاقه على مختلف الروايات والأفكار والعقائد والأساطير يأتي التراث الشفاهي كجزء أساسي مهم من هذا العالم وهذا المجال والذي ربما لم يعطه المهتمون حقه كما أعطوه لبقية محاور التراث كالفنون الشعبية وغيرها ربما لم يعرف الأغلبية حتى الآن أهمية التراث الشفاهي في استعماله كمصدر تاريخي تستند إليه تقريبا كل البحوث والدراسات وربما ينظر الأغلبية إلى ذلك التراث نظرة غير جدية ويجهلون علاقة التراث الشفاهي بالتاريخ، وأهمية المصادر الشفاهية وضرورة تحويل الرواية الشفاهية إلى تاريخ مدونّ، وأعتقد بأن هناك الكثير من التسجيلات الموثقة لمراحل مختلفة من الزمن سواء في التسجيلات واللقاءات الإذاعية أو التلفزيونية أو تلك التي تحتفظ بها الجهات المختصة كوزارة الثقافة والفنون والتراث ومن المهم جداً وجود جهة أو لجنة تتبنى إصدار هذا التراث وتدوينه وتوثيقه في مطبوعات ومجلدات كون التراث الشفاهي وثيق الصلة بالتاريخ؛ حيث يعدٌّ مرآة المرحلة الحضارية التي يعيشها الناس، وهو يُعبّر عن أفكارهم وعواطفهم، كما أنه يصور ويفصل جزءا كبيرا وعميقا من النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة، بل إن بعض الباحثين يعتقد أن التاريخ المدونّ ولد في أحضان التراث الشفاهي حيث إن عناصر هذا التراث هي مكونات التراث الشعبي من مثل: الحكايات، والقصص، والسير الشعبية، والأمثال والحكم، والغناء، والشعر. إن الثقافات المعروفة والمدونة كانت في الأصل ثقافات شفاهية، فالإلياذة والأوديسة وغيرها من آثار اليونان كانت في الأصل شفاهية، وكان هوميروس أول مؤرخ شفهي وصلتنا أعماله مدونة، وجاء بعده هيرودتس وتوكيديدس وهما أول من جمع بين الرواية الشفاهية والمدونة. وكان الأول يقوم برحلات عديدة في آسيا الصغرى والشرق الأدنى بجمع القصص والحكايات حول تاريخ البلاد التي يزورها وفي العصور الوسطى الأوروبية لم يكن أمام المؤرخين  إلاّ الروايات الشفاهية مصدرًا لتواريخهم. وكان كل اعتمادهم عليها وعلى مذكراتهم الشخصية أو على شهود عيان. ومثل ذلك الأغنية الشعبية القصصية والشعر الإنجليزي القديم والوسيط، ونشيد رونالد كلها آداب شفاهية. كما استخدم المؤرخون العرب والمسلمون المادة الشفاهية بشكل واسع، بل إن قدرًا من التراث العربي المدّون، في ميادين علمية عديدة، كان تراثًا شفاهيًا، وهناك إجماع على أن المحدثين والمؤرخين والإخباريين والأدباء والشعراء الأوائل قد استفادوا من المصادر الشفاهية أكثر من أي مصدر آخر ويرجع الفضل إلى علماء المسلمين الذين قننوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات الشفاهية. أصبحت تلك القواعد فيما بعد علومًا مستقلة مثل علم الإسناد فالمقابلة الشخصية، أو ما يُسميه بعضهم بالتاريخ الحي لأجل تسجيل النص الشفاهي توضح أبعادًا نفسية وإنسانية لا يمكن الوصول إليها من خلال النص المكتوب. فالمؤرخ في هذه الحالة يتعايش مع سرد الأحداث التاريخية التي يدرسها  وله إمكانية الحوار المباشر معهم واستيضاحهم جوانب كثيرة عن الماضي. لذا فمن المهم جداً أن نلتفت لهذا الجزء الثمين من تراثنا الشعبي وتستغل كل لحظة في تدوينه وحفظه من النسيان والاندثار فالثقافة الشعبية ليست محصورة فقط في الغناء والأزياء والألعاب والأطباق إنما هو فكر وفلسفة عميقة يشرحهما حديث صادق محمل بالحنين لذلك الزمن الجميل.