13 سبتمبر 2025

تسجيل

علماء دين.. ولكنهم لا يتكلمون باسم الدين !!

06 أكتوبر 2011

في اليمن أصدرت منذ أيام جمعية العلماء الموالية للنظام الحاكم بيانا أفتت فيه بعدم جواز الخروج على الحكام، واعتبرته أمرا محرما شرعا سواء كان بالقول أو بالفعل، كما أفتت في ختام أعمال مؤتمرها الذي دام ثلاثة أيام بحرمة المظاهرات وحرمة الاعتصام شرعا " وقانونا "! لما تحمله – في نظرهم - من مخالفات للشرع.. الجدير ذكره أن الرئيس صالح هو الذي دعاهم لهذا المؤتمر وإلى هذا الاجتماع وإلى إصدار البيان بالحكم الشرعي وهو الذي وصف لهم الحالة وأن المحتجين عليه رافضون للحوار والسلم وخارجون عن الشرعية الدستورية،.. البيان دعا أيضا أبناء الشعب اليمني " كافة " إلى الوفاء ببيعة ولي الأمر " الذي هو بالطبع علي عبدالله صالح " وأكدوا حرمة الخروج عليه.. في سوريا أيضا كان لافتا حادث قتل الشاب سارية حسون ابن المفتي الشيخ أحمد بدر الدين حسون على يد مجهولين.. وبصرف النظر عما يقوله النظام السوري أو غيره في نسبة هذه الجريمة لأي أحد فإن عملية القتل في حد ذاتها جريمة وفاجعة أولا ويخشى أن تؤدي لإخافة المفتي ثانيا وإلى جرجرته والمؤسسة الدينية بالكامل إلى مزيد من التورط في فتاوى الدماء التي أباحت للنظام أن يفعل بالناس ما يشاء في سبيل حماية نفسه وحزبه وتألهه عليهم ما نراه ونسمع عنه.. فإذا خرجنا من التعيين إلى التعميم، وإذا تركنا وراءنا شبهات الركون للظالمين والتزلف لهم بتطويع الدين التي يطلقها أولئك " العلماء " والتي تصادم لا أقول نصوصا وأحكاما تفصيلية بل مبادئ أقام الإسلام كيانه النفسي والسياسي والفكري عليها منذ أن قال صلى الله عليه وسلم " أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " وقال: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم " وقال " إن الناس إذا تركوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم ببلاء منه " وأثمرت هذه المفاهيم معارضات سياسية وثورات إسلامية في فترات مختلفة ومترامية في التاريخ الإسلامي.. أقول إذا تركنا هذه التفاصيل ونظرنا إلى العلماء الذين يقفون اليوم مع النظام القاتل في اليمن وفي سوريا ووقفوا ذات يوم مع النظام الليبي وقبلهم أولئك الذين وقفوا مع النظام البائد في مصر وقبل قبلهم الذين وقفوا مع الغزو للكويت أو للعراق.. ورصدنا المحددات التي يتحركون في إطارها والمعايير التي يدورون حولها ويخضعون لها فإننا سنجد أن الدين والشريعة منهم ومن فتاواهم ومن الشخصية البائسة التي يريدون تمريرها على المسلمين براء براء براء.. ذلك يطرح التساؤل حول دور العلماء وما يجب أن تخضع أو لا تخضع له فتاواهم، وعن مواقفهم في ضوء الأحداث الأخيرة التي كشفت المستور من ولاء بعضهم للظالمين وانفصالهم عن الأمة وعن مصالحها وكشفت عن قصور فهمهم للواقع وللثورات التي تعتمل في ضمير وحال الأمة وباتت تعيد تصحيح صياغتها وهويتها عقديا وفكريا وسياسيا ما يتوقع أنه سينبني عليه تاريخ لهم أو عليهم.. وأقول: " العلماء – في الأصل - ورثة الأنبياء " " والملائكة – في الأصل - تضع أجنحتها لهم رضا بما يصنعون " كما جاء في الأثر.. وذلك يجعل مكانتهم ودورهم وأثرهم لا كمكانة ودور وأثر أي أحد سواهم من سياسيين أو مثقفين أو إعلاميين.. لذلك وجب أن يكونوا – كما هو المفترض - الأكثر قدرة على تجسيد معنى القيم المحترمة والمطلقة وأخلاقيات الإسلام التي يحملونها وأن يتميزوا بفهم المجريات وتحليل المعطيات.. فإذا جمعوا بين هاتين القوتين " الأخلاق والمعرفة " توقعنا منهم أن يقفوا مواقف الحق وأن يجسدوا معاني السبق وأمانة المسؤولية وقيادة الرأي العام.. والناس في كثير من الأحيان وكثير من المواقف يرون الإسلام ذاته متجسدا في هؤلاء العلماء بأخلاقهم وقوتهم وعلمهم وقربهم أو بعدهم من أي أمر ويعتبرون مواقفهم دليلا على الحق وميزانا لتقبل شيء أو إنكاره.. فإن نقص موقف العالم عن المطلوب فالنتيجة واحدة من اثنتين ؛ الاحتمال الأول: أن يقتنع الناس بهذا النقص - خصوصا الذين وطنوا أنفسهم على النقص دائما وقبلوا الكسل والركون للضعف واعتبروا ذلك الحدود القصوى للمطلوب منهم.. وبهذا يكون العالم الناقص فتنة عن الدين بإنقاصه، والاحتمال الثاني ألا يقتنع الناس بالعالم فيخالفوه وتتوطن أنفسهم على المخالفة وعلى معارضة ما يظنونه الإسلام متجسدا فيهم ثم لتنتقل المخالفة من عالم إلى عالم ومن موقف إلى موقف فيتعود الناس المخالفة وتضيع الحدود بين ما يجوز وما لا يجوز من مخالفتهم وتقع فتنة التجرؤ على المخالفة وعلى الانحراف.. وفي الحالتين فإن المضرة على الدين من عالم ناقص أو متخلف عن المعالي والسبق إلى الحق بالغة بالغة بالغة.. نعود لعلماء هذا الزمان وبالأخص البعض منهم الذين لا يجسدون حقائق الدين السلوكية والعقدية في مواقفهم.. والذين فرحوا بمغنم المكانة والجاه والذين يفرحون بما تفتح لهم من الأبواب وما يلجون على ذوي السلطان من حاجات مقضيات ومن وساطات بالغات من غير عنت وينسون مغرم الأمانة والمحاسبة في مقابل هذا المغنم.. هؤلاء لا يجوز ولا يقبل في حقهم أن يكتفوا بالسكوت على الظلم والظالمين ولا أن يأخذوا بالرخص كعامة ودهماء الناس لأن الله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم أن يبينوا العلم والحق للناس ولا يكتموه (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).. فكيف إذا قام منهم من يدافع عن الطاغوت ويدعو له ويتحزب معه ويبشر بنصره على دماء المظلومين؟ وكيف إذا صارت الشعوب بمثقفيها وعلمائها ومجاهديها في مكان آخر غير الذي اختاره لنفسه قرب الباطل وأهله ومداهنيه.. عندما نرى هؤلاء نتذكر ابن العلقمي الذي خان الأمة وخان دماءها وخلافتها وكانت آخرته في الدنيا أن يشنق حتى الموت على أيدي من خان الله لهم.. ونتذكر في مقابله طاووس اليماني وسعيد بن جبير والحسن البصري وابن حنبل وابن تيمية والعز بن عبدالسلام وسلسلة طويلة من أئمة الهدى في كل جيل.. الذين وقفوا في وجه الباطل.. ونتذكر سيد قطب رحمه الله الذي رفض منصب الوزارة مقابل اعتذار يعتذره لمن كان في نظره طاغوتا.. ورد على الذين حدثوه في ذلك بقوله " إن اللسان الذي يسبح بحمد الله لا يسبح بحمد الطاغوت " ثم نسأل: أليس لهؤلاء رغائب من الدنيا وشهواتها كما لكل الناس؟ أليس كان يمكن – لو أرادوا - أن يجدوا تبريرا ينزلون به من أعلى ما يجب عليهم إلى أدناه ومن العزيمة إلى الرخصة؟ آخر القول: على العالم أن يكون على دراية بكل ما يجري حوله بالمتابعة والتواصل والتحرك.. وأن يكون على مسافة واحدة من كل الفئات والأحزاب ضمن الحدود الواسعة للإسلام وضمن ما يحتمله الخلاف الفقهي والسياسي وفي ظل الثوابت، وأن تكون لمعلوماته وثقافته مواردها ومصادرها المحايدة والمتنوعة وألا يركن لرسائل ووسائل النظم والأحزاب والاتجاهات.. أما طاعة ولي الأمر فلا يجوز أن تشمل تبعية التفكير والاقتراح والإبداع ولا تقييد حرية الفكر والبحث، كما لا يجوز للعالم أن يصغر الدين الذي ينتسب إليه باتباع فلان أو علان على الحق والباطل لأن للعلم عدته ومؤهلاته ومعاييره وللدين قداسته وحاكميته التي لا تنضوي تحت السياسة ولا تخضع لحزبية..