19 سبتمبر 2025

تسجيل

طهران والخرطوم.. أخطاء سياسية

06 سبتمبر 2014

في خطوة عدها البعض مفاجئة، أغلقت الخرطوم المركز الثقافي الإيراني وجميع فروعه في أرجاء السودان المختلفة.. وزارة الخارجية تحدثت عن تهديد المركز للأمن، والمقصود هنا الأمن الفكري، واعتبرت الخرطوم أن المركز أخل بشروط ترخيصه وسعى لمكاسب وصفها وزير الخارجية السوداني بـ"الطائفية" وأمهلت مدير المركز فقط (72) ساعة لمغادرة البلاد.. المشفقون حتى أولئك الذين يتفقون من حيث المبدأ مع القرار، يقولون إن صانع القرارات السياسية في السودان يجنح إلى ردة الفعل العنيفة ولا يمضي القرار في هدوء بل كل قرار خاصة القرارات السياسية الحساسة تتلبسها حالة دراماتيكية وردود فعل عنيفة يصعب معها معالجة أي أخطاء جانبية مصاحبة.. من قبل عدة سنوات كشف وزير الخارجية في برنامج تلفزيوني عن حصولهم في الوزارة على معلومة وصول بوارج إيرانية ميناء بورتسودان من أجهزة الإعلام، مضيفاً: (الخارجية آخر من يعلم).. الوزير بث شكواه على الهواء مباشرة ممتعضاً من (ضعف التنسيق ما بين أجهزة الدولة المختصة ووزارة الخارجية).. في مايو الماضي تكرر (تهميش) وزارة الخارجية حين أعلن المتحدث باسم الجيش السوداني أن سفينتين حربيتين إيرانيتين إحداهما فرقاطة والثانية سفينة إمداد قد رستا في ميناء بورتسودان للتزود بالوقود وتبادل المعلومات مع القوات البحرية السودانية، لمدة أربعة أيام.احتجاج وزير الخارجية ربما جاء في إطار تساؤل طرحه البعض علنا: لماذا تتكرر زيارات السفن الإيرانية الحربية ولا نسمع بزيارة سفن من جنسيات أخرى وهذا ما يحدث بشكل روتيني؟. أو لماذا يُعلن عن زيارات السفن الإيرانية وحدها؟. ما هي الرسالة التي يود السودان إرسالها؟، وهل يصب ذلك في دعم مصالح البلاد الاستراتيجية وسياستها الخارجية؟. لكن عندما حانت الفرصة لوزارة الخارجية للتعاطي مع قضية المركز الثقافي الإيراني، لم تسلك مسلكا دبلوماسيا وخلقت (دراما) كذلك حول الحدث ومن المنتظر أن يكون لطهران رد فعل مضاد لقرار السودان.. الحديث والجدل حول نشاطات المركز "السالبة" كان يدور منذ وقت ليس بالقصير لكن الحكومة صمتت وفهمت طهران أن الخرطوم راضية عن تلك النشاطات.. فلماذا لم تحرك الخرطوم حينها ساكنا حيث كانت المعالجة ميسورة وغير مكلفة سياسيا؟الشاهد أن العلاقات السودانية – الإيرانية ليست بحجم الغبار المثار حولها وظلت الخرطوم تعاني من هذه العلاقات حيث تواجه طهران غضبة غربية شرسة بسبب برنامجها النووي، وهي كذلك بالتصنيف الأمريكي واحدة من دول (محور الشر).. وطهران نفسها واقعة تحت وطأة الأخطاء السياسية القاتلة؛ والجميع يذكرون حين احتل الثوار الإيرانيون السفارة الأمريكية بطهران في نوفمبر من العام (1979م) أي بعد أشهر قليلة من قيام الثورة الإيرانية.. الثوار احتجوا حينها على سماح الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لشاه إيران المخلوع بالعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية واحتجز الثوار 53 دبلوماسيا أمريكياً وحارساً كرهائن في السفارة لمدة 444 يوماً.. منذ ذلك الوقت برمجت الولايات المتحدة دول العالم أجمع على فرض طوق من العزلة على إيران، مازالت تعاني منه الأمرين.. بالحسابات السياسية العقلانية لم يكن من أسباب مبررة لذلك العمل الذي بدا عملا طائشاً ترتبت عليه كلفة سياسية باهظة الثمن.حتى قناة المنار التابعة لحزب الله اللبنانية صاحب المرجعية الإيرانية تعتمد نهجا مباشرا كلفها الكثير وهي تسعى لدعم مشروع المقاومة اللبنانية وتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق فقد تغير هدفها المبدئي الآن وأصبح لها أهداف أخرى.. و(المنار) التي تقوم بدور تعبوي واضح لا لبس فيه بدأت بثها الفضائي في العام 2000م بعد (4) أعوام من نشأة قناة الجزيرة. وبين قناتي (المنار) و(الجزيرة) كثير من الاختلافات التي قد يبدو بعضها بسيطا لكنه يحمل دلالات عميقة فعلى سبيل المثال نجد أن (المنار) تعتمد توقيت القدس، بينما تعتمد الجزيرة توقيت مكة المكرمة، وتستعين (المنار) بالموسيقى الفارسية المصاحبة في حين لا تستعين (الجزيرة) بموسيقى لها لون معين.. مذيعات الجزيرة بشكل عام لا يلتزمن بلبس الحجاب، بينما يبدو أن هناك إلزاما لمذيعات (المنار).. وتبث (المنار) شعارات إسلامية تحث على الجهاد، بينما ليس لدى (الجزيرة) أي شعارات سياسية مباشرة محددة.. (الجزيرة) تستخدم تعبير الجيش الإسرائيلي، بينما تستخدم (المنار) تعبير جيش العدو الصهيوني. (الجزيرة) و(المنار) كلاهما تقومان بدور إعلامي حيوي خاصة في أوقات الحروب مع (إسرائيل) لكن من الضرورة أن تجري قناة المنار تحديثاً على استراتيجيتها الإعلامية كي تتوافق مع معطيات الواقع العملي. والابتعاد قدر الإمكان عن المباشرة في الطرح بحيث ينسجم ويتلاءم مع الظروف السياسية المعقّدة التي تحيط بالمنطقة دون أن يكون في ذلك تنازل عن أي مبادئ.. وهذا ما يتوفر إلى حد كبير في (الجزيرة).