31 أكتوبر 2025

تسجيل

الحكومة اللبنانية وداعش وخيار التفاوض

06 سبتمبر 2014

حتى هذه اللحظة تعجز الحكومة اللبنانية عن اتخاذ القرار بشأن التفاوض مع الخاطفين للعسكريين في جرود عرسال. هدد تنظيم الدولة الذي يختطف عددا من الجنود بذبحهم جميعا إن لم تكن الحكومة اللبنانية جدية في التفاوض معه حيث يحرص التنظيم على إطلاق أسماء محددة من مسجوني رومية.الحكومة قلقة من اتخاذ أي قرار بخصوص هذه الحالة وهي راهنت على الوقت ريثما يتوفر لها المعدات العسكرية اللازمة التي وعدت فرنسا بتوفيرها للجيش اللبناني بناء على هبة سعودية، أملاً في أن تساعد الأسلحة والمعدات الجديدة في تغيير المعادلة في عرسال. وفي الوقت الذي تغض فيه الحكومة اللبنانية النظر عما يدور في جرود عرسال شرقاً وما يقابله شمالاً من قطع للطرقات العامة التي تصل بيروت وطرابلس وعكار من قبل أهالي العسكريين المخطوفين للضغط على الحكومة لقبول التفاوض مع الخاطفين والنزول عند مطالبهم، تعتمد الحكومة "سياسة التطنيش" موحية بأنها تمارس أعلى درجات السرّية في عمليات التفاوض، وهو أمر لا تدعمه الحقائق على الأرض كما يقول المطلعون على الملف من هيئة علماء المسلمين التي كانت القناة الأولى والوحيدة حتى اللحظة في عملية التفاوض بين الطرفين.الحكومة تراهن على عنصر الوقت، وما يسرب من تصريحات لوزراء محسوبين على جهات سياسية متنافرة يكشف عن عمق أزمة سياسية جدية تعيشها البلاد، وهي تُستثمر لتصفية حسابات سياسية بين مكونات الحكومة التي تضم جميع أطياف التناقض السياسي..وهكذا لا تجرؤ الحكومة حتى اللحظة على إعلان موقف نهائي وواضح وصريح بشأن الأزمة وكيفية علاجها باستثناء ما يقال عن خلية أزمة برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وسط تمنّي لبناني من أن يتشكل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب سريعاً بما أن لبنان سيكون جزءا منه طالما أنه يعاني خطرا حقيقيا من تنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المصنفين على قائمة المنظمات الإرهابية والتي تحث واشنطن الخطى جاهدة لخلق تحالف سريع لاستئصال هذه التنظيمات.سياسة قد تبدو ناجحة للحكومة لو أن تنظيم الدولة لم ينفذ تهديده بذبح الجندي علي السيد الذي ينتمي إلى إحدى كبرى القرى السنية المتعاطفة مع المعارضة السورية، ولا ندري بعد هذا الحدث الجلل كيف تحول المزاج الشعبي بها!..شُيّع الجندي الذبيح بموكب شعبي مهيب خيم عليه الغضب والامتعاض، وتخلله كلامات حادة لبعض أقارب الذبيح ضد الدولة والحكومة، وتساءل بعضهم ماذا لو كان الذبيح نجلا لرئيس الوزراء أو وزير داخليته أو وزير دفاعه هل سيتعامل مع الوضع كما يتعامل الآن؟.كلمات رنّت طويلاً في آذان اللبنانيين وأهالي المخطوفين وهم يعلمون أن تنظيم داعش وضع عدّاداً للحكومة اللبنانية، يذبح بموجبه عند انتهاء كل مهلة مضروبة جندياً جديداً من الأسرى العسكريين...قد لا تملك الحكومة الكثير من الخيارات في التعاطي مع هذه الأزمة وليس عيبا أيضا أن تتفاوض مع جماعات إرهابية فالولايات المتحدة ودول أوروبية كثيرة تفاوضت مع الجهات المصنفة متطرفة لديها أمثال النصرة وداعش، بل وقدمت لها – باستثناء الولايات المتحدة - المال مقابل إطلاق سراح مختطفين من حاملي جنسياتها.لاشك أن إطلاق سراح سجناء محكومين بتهم إرهابية أمر خطير على لبنان. كما أن التفاوض بحد ذاته يعني أن الدولة خضعت في نهاية المطاف، لكن من الخطأ أيضا توصيل رسالة لكلّ عائلة جندي أن الدولة لن تحرك الأساطيل لمن يدافع عن شعبها فضلاً عن أي مواطن على غرار ما تعهد به تنظيم الدولة الإسلامية على غلاف جواز سفر دولته. الحلّ بالنسبة للحكومة أحلاه مرّ. لكن على الحكومة أن تثبت أنها على قدر المسؤولية، وألا يكون الخوف من إصدار قرار واضح وعملي دون إجماع سياسي تام عائقا من اتخاذه. والجميع يعلم أن من لا يشاركون في حقائب سيادية معنية بهذه الأزمة يريدون إحراج الحكومة للنيل من خصومهم في السياسة. كما أن بعضها يريد عبر هذه الأزمة أخذ لبنان إلى ما كانت تسعى إليه من قبل، وقد وجدت الفرصة مناسبة لحمل لبنان شاء أغلبه أم لم يشأ إلى حيث تريد أجندتهم.وتبقى الرحمة للشهداء.