08 أكتوبر 2025
تسجيلهكذا كانت بداية قصة البشرية.. حيث يخبر الله تعالى ملائكته الكرام أنه جاعل في الأرض خليفة، يسلمه إدارة هذا الكوكب الحي، بعد أن يسخر له أموره ويوهبه ميزة العقل للتدبير والتخطيط، وميزة تسمية الأشياء بمسمياتها، ويكرمه بسجود الملائكة له تكريماً لا عبادة. ثم يتساءل الملائكة الكرام، قالوا: ربنا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون). لقد خفيت عليهم حكمة المشيئة العليا في بناء هذه الأرض وعمارتها - كما في تفسير الظلال - وفي تنمية الحياة وتنويعها، وفي تحقيق إرادة الخالق وناموس الوجود في تطويرها وترقيتها وتعديلها، على يد خليفة الله في أرضه. هذا الذي قد يفسد أحياناً وقد يسفك الدماء أحياناً، ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل، خير النمو الدائم، والرقي الدائم، خير الحركة الهادمة البانية، خير المحاولة التي لا تكف، والتطلع الذي لا يقف، والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير، عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء والخبير بمصائر الأمور: "قال إني أعلم ما لا تعلمون". ولا تقربا هذه الشجرة بعد أن أسكن الله أبانا آدم وأمنا حواء عليهما السلام الجنة، سمح لهما بالأكل من أشجارها إلا واحدة منعهما من مجرد الاقتراب منها، وليس الأكل فحسب، ولم يمض طويل وقت، حتى اقترب من الشجرة المحرمة عليه فأكل منها وزوجته حواء، لتبدأ معاناتهما بأن بدت سوءاتهما، فاندفعا يخصفان عليهما من ورق الجنة إلى بقية القصة المعروفة. ما الذي دعا أبانا آدم وأمنا حواء إلى الأكل من تلك الشجرة رغم وجود آلاف أخرى من الأشجار، ربما أحلى وأزكى وأطيب منها؟، هناك تفسيرات وتحليلات عديدة لا نود بالطبع الخوض فيها، ولك إن شئت الاستزادة أن تبحر في كتب التفسير المتنوعة ففيها ما تشاء وتطلب من علم، ولكن أوردت القصة للعروج منها إلى النفس البشرية ومرض الهوى.. وما أدراك ما الهوى؟. إن النفس البشرية لا يرضيها أبداً مسألة المنع والحرمان دونما سبب مقنع منطقي، بل بسبب ذلك تجدها ترفع راية التحدي، فتتجه يمنة ويسرة وتبحث هنا وهناك عن أي ثغرة ينسل منها إلى الممنوع أو المحرم، سواء كان دينياً أم دنيوياً، ولو من باب الفضول في بعض منها. ربما المنع كان يهدف إلى تربية آدم وحواء على خبرة حياتية ينقلانها من بعدهما إلى ذريتهما، وتتمثل في مسألة الإرادة وضبط النفس، فالمنع من أكل ثمار تلك الشجرة، ربما كان درساً لمعنى المحظور، الذي بوجوده يتعلم ويكتسب المرء صفة الإرادة وضبط النفس، وهكذا كان الدرس الأول للبشرية. بعضكم لبعـض عدو تستمر قصة البشرية لتنطلق رحلة العداوة بين الإنسان والشيطان إلى ما شاء الله لها أن تكون، بعد أن ارتكب آدم - عليه السلام - خطيئته الأولى وأكل من الشجرة - رمز المحظور - من بعد أن خفت عزيمته وإرادته للحظات معينة، وسار وراء شهوته وغريزته البشرية، فكانت الخطيئة التي أخرجتهما من الجنة إلى الأرض، حيث ستكون هذه الأرض ميدان المواجهة، والمعركة بين الخير والشر، والحق والباطل إلى قيام الساعة. على رغم أن آدم عليه السلام ارتكب المحظور بفعل الفطرة البشرية، إلا أنه عاد سريعاً بحسب الفطرة ذاتها، حيث تاب وأناب، فغفر الله له، ثم أرشده الله وبين له مصدر الغواية، وعرّفه بعدوه وعدو ذريته إلى يوم الدين، فأدرك تمام الإدراك أن وجوده وخلافته في الأرض، تستلزم منه وذريته فهم حقيقة الأمر، وأن هناك طريقين في هذا الوجود لا ثالث لهما، إما الله وإما الشيطان - كما جاء في ظلال القرآن – وإما الهدى وإما الضلال، إما الحق وإما الباطل، إما الفلاح وإما الخسران. نزل آدم وزوجه إلى الأرض، وهو يدرك طبيعة المعركة التي سيعيشها هو وذريته مع عدوهم، هذا العدو الذي أعلن عداوته منذ اللحظات الأولى من ظهور هذا المخلوق البشري، بل وطلب من الله ألا يقبض روحه إلى يوم الدين لأجل أن تدوم عداوته لهذا الذي كان سبباً في طرده هو أيضاً من الملأ الأعلى، فاستجاب له الله، لتبدأ معركة الإنسان مع الشيطان. ودون شك أن نتيجة هذه المعركة التي بدأت منذ الأزل، وما زالت مستمرة إلى ما شاء الله لها أن تستمر، يقررها الإنسان بنفسه هو، فإن أراد كسب المعركة ضد الشيطان، فله ذلك، أو يترك الأمر لعدوه فتكون النتيجة بالتالي هي الخسارة دون أدنى ريب، والقرآن الكريم واضح في هذا الأمر (فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى). [email protected]