15 سبتمبر 2025
تسجيلتتفق أغلب تيارات السلفية الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة أنه آن أوان التحول من "جهاد النخبة" أي الطلائع المقاتلة من المؤدلجين جهاديًا بين الشعوب الإسلامية إلى "جهاد الأمة" أو ما يمكن أن نطلق عيه "ثورجة الجهاد" بحيث يصبح ظاهرة شعبية عند عموم المسلمين، فإذا ما نجحت التيارات الجهادية في نقل الجهاد من دائرة النخبة إلى دائرة الأمة فإنها تكون بذلك قد بنت جدارًا عاليا جدًا لصدّ ضربات المعادين للمشروع الجهادي في إقامة الخلافة الإسلامية، وقضت على المؤامرات التي تحاك ضد نهضة الأمة. ولا أفضل اليوم أو أنسب في تحقيق العبور نحو جهاد الأمة من الواقع السوري الحالي، وتحديدًا في الأماكن التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية منذ خمس سنوات حيث اعتادت تلك المناطق على غياب السلطة التي تحول دون الخروج إلى مواطن الجهاد. انفكاك جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة في عمقه يعود لرؤية إستراتيجية بدأت تنحو نحوها "القاعدة" ومن يوافقها أهدافها منذ مدّة ليست قريبة، مفادها أن الحلّ الحقيقي لأزمة التيار الجهادي هو في كيفية نقل عدواه من الطليعة النخبوية المقاتلة إلى عموم الأمة بكل فئاتها وأجيالها. وبعيدًا عن الحفر في النوايا فما إذا كان انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة ظاهريًا أو حقيقيًا، فقد أُعلن رسميا عن فك الارتباط لاعتبارات تخصّ "النصرة" و"القاعدة"، يغلب على ظنّي أنها مرتبطة بالهمّ الذي أوردناه آنفًا، أي إخراج التيار الجهادي المعولم من مأزقه الحالي، فيما هناك اعتبارات أخرى فرضتها الظروف الخاصة بالساحة السورية. فجبهة النصرة تعتبر من أكثر الفصائل المسلحة فعالية في جبهات القتال، وأكثرها انضباطًا بالتعليمات التي تصدر إليها من قادتها، كما تحظى باحترام عدد كبير من الفصائل الأخرى رغم بعض المناوشات التي كانت تقع بينها وبين فصائل مسلحة أخرى. وهو ما دفع بعض الدول النافذة في الأزمة السورية إلى وضع سيناريوهات خلاقة لتحييد خطورتها على مصالحهم ما أمكن. وقد أجريت عملية تطويع لها بضغوط داخلية وخارجية. داخليا كانت حجة الفصائل المسلحة الرافضة للانخراط في هيئة عسكرية واحدة أن الأمر يغضب الدول الداعمة ويقطع عنها الدعم المادي والدبلوماسي. أما الدول الداعمة فكانت حجتها أن الولايات المتحدة تحول دون دعم الفصائل المعارضة بذريعة أن بين مكوناتها تشكيلات إرهابية شديدة الخطورة على المصالح الغربية في المنطقة والعالم. ويتطلب الأمر عزل هذه الميليشيات على الأرض وقصفها والتضييق على حركتها ومنع التواصل معها أو مدّها بأي نوع من أشكال الدعم والاستمرار. ومع عجز الفصائل المسلحة عن مواجهة جبهة النصرة وتماهي بعضها معها على الصعيد الأيديولوجي والتقاطع في الخطوط العامة للأهداف الموضوعة في سوريا. فقد أخذت الاعتراضات أشكال النصيحة والامتعاض والمناشدة لفك التحالف إلى حين نضجت الظروف الداخلية والخارجية التي أرغمت النصرة أو أغرتها بفك تحالفها مع تنظيم القاعدة. يأمل بعض الغيورين على المعارضة المسلحة أن تتوحد المعارضة المسلحة في جبهة موحدة بعد انفصال "النصرة" عن "القاعدة"، وأن يكون المسعى القادم للدول الراعية للفصائل المسلحة هو دمجها في كيان عسكري جديد له تراتبية واضحة وصرامة. في حين تأمل جبهة فتح الشام، ومعها تنظيم القاعدة من بعيد، أن تقتدي بقية الفصائل المسلحة بجبهة النصرة بفك كل ارتباطاتها الخارجية التي لم تعُد على الشام إلا بالتفرقة والتخذيل والتطاحن والتدابر. وأن يصار إلى تعبئة الشارع الشامي وتجييشه ودعوته باستمرار ليكون الحاضنة الوفيّة لأهل الجهاد، مع تحييد الأبواق المرجفة والمحاربة لمشروع "جبهة فتح الشام". وإذا ما توافرت هذه الظروف فإن تشكيل كيان عسكري موحد لجميع الفصائل المسلحة مدعوم بحاضنة شعبية واسعة سيصبح سهل المنال. وقد تم تأسيس تجمع "أهل العلم في الشام" الذي يضم المراجع الدينية لأغلب الفصائل المسلحة في الشمال، في سبيل تحقيق الوحدة العسكرية بين الفصائل. وقد نال ولا يزال بركة أغلب العلماء المؤيدين للمعارضة المسلحة على الساحة السورية. وإذا ما تمكنت "جبهة فتح الشام" من تجاوز حاجز الانقسام الداخلي وتمكنت من الحفاظ على زخمها القتالي، فإن الخطوة التالية لها هي التماهي الكامل مع مكونات مسلحة أخرى تشبهها على الصعيد الأيديولوجي كلبنة أساسية نحو كيان عسكري موحد.