11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأولمبياد والميداليات والسياسة

06 أغسطس 2016

الألعاب الأولمبية لم تصبح لعبة ورياضة فحسب وإنما تخطت هذا البعد الرياضي لأبعاد أخرى مثل الاقتصاد والسياسة والثقافة والوطنية والتميز. الرياضة إذن في القرن الحادي والعشرين ليست بريئة، مجرد رياضة بل هي تجارة ورعاية وإعلانات وسياسة…إلخ. وصدق "هتلر" يوما عندما قال "إن ملايين الناس المدربين على الرياضة الشغوفين بحب الوطن، المتشبعين بالروح الهجومية يمكن أن يتحولوا في رمشة عين إلى جيش". فالمنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم لكرة القدم سنة 2002 جعل 170 مليون برازيلي ينسون هموم الفقر والمشاكل اليومية وسوء الإدارة والتسيير من قبل الحكومة البرازيلية، واستطاع أن يجعل هذه الملايين من البشر ترقص السامبا في عرس واحد وحفل واحد، الأمر الذي تعجز عن تحقيقه أي مؤسسة أخرى داخل البرازيل بما فيها مؤسسة رئاسة الدولة. ومن خلال الفوز بكأس العالم أدرك الرأي العام البرازيلي أنه بألف خير وأنه الأحسن والأقوى عالميا في ميدان كرة القدم وهذا إنجاز عظيم يجب أن تشكر علية وزارة الرياضة والشباب والاتحادية البرازيلية لكرة القدم والحكومة والرئيس البرازيلي. أكثر من هذا شعوب في دول عديدة رقصت السامبا وساندت الفريق البرازيلي وهنأت الرئيس البرازيلي والشعب البرازيلي بالإنجاز العظيم. هذه هي إذن الرياضة التي تخترق الهموم والمشاكل وتبرز الإنجازات والنجاحات. في القرن التاسع عشر ربطت القوى الاستعمارية التطور والتفوق الرياضي بحركة الاستعمار وتفوق النظام الرأسمالي الغربي، وأصبح المتفوق في الرياضة هو المتفوق في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحضارة وأصبح المنتصر في الرياضة هو المنتصر في الحرب. وهكذا دخلت الرياضة السياسة وكيف لا وهناك دول استثمرت مليارات الدولارات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم أو لاستضافة الألعاب الأولمبية أو الألعاب الآسيوية أو الإفريقية أو ألعاب البحر الأبيض المتوسط إلى غير ذلك. وبذلك تم توظيف الرياضة في خدمة السياسة وأصبحت السياسة الرياضية جزءا لا يتجزأ من سياسة الدولة. وأصبح الأبطال في مختلف الألعاب والرياضات خاصة الألعاب الأكثر شعبية ككرة القدم يقلّدون الأوسمة ويستقبلون استقبال المحررين المنتصرين من رئيس الدولة وتقدم لهم التهاني والتبريكات من قبل كبار السياسيين. مع مطلع القرن العشرين تحوّلت الملاعب إلى فضاءات للدعاية السياسية وللتجنيد ولغسل الأدمغة وحتى للانقلابات العسكرية. فعبرت الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) عن حقها في تقرير مصيرها من خلال مشاركاتها المختلفة في المحافل الرياضية الدولية وكان فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري إبان استعمار فرنسا للجزائر خير سفير للقضية الجزائرية، ونلاحظ اليوم المنتخبات الفلسطينية ودورها الريادي والإستراتيجي بالتعريف بالقضية الفلسطينية وإسماع صوت أطفال الحجارة للعالم. كما عبّرت الأقليات والأعراق عن حقوقها من خلال الرياضة وخير دليل على ذلك الزنوج الأمريكيون ابتداء من العداء المشهور "جيسي أوينس" إلى الملاكم العالمي محمد علي الذي رفض أن يلتحق بالجيش الأمريكي في فيتنام. وهكذا بلغ استغلال الرياضة سياسيا ذروته مع صعود الأنظمة الشمولية في ألمانيا الهتلرية النازية وإيطاليا الموسولينية الفاشية والاتحاد السوفيتي من لينين إلى ستالين إلى كروتشف وبريجنيف…إلخ. ففي سنة 1934 استضافت إيطاليا بطولة العالم لكرة القدم واستغل الفاشيون الحدث وحوّلوا ملاعب كرة القدم إلى حلبات للدعاية وغسل الأدمغة وتجنيد الجماهير واستغلال حماسهم وروحهم الوطنية ومشاعرهم القومية. وفي سنة 1936 استقبلت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية وجمعت برلين الرياضيين من جميع أنحاء العالم لكن بشرط أن يعلم الجميع أن العرق الآري هو أحسن عرق فوق الأرض وأنه وُلد ليتفوق وليحكم العالم. وهكذا زحفت ألمانيا من الملاعب المختلفة للرياضات الأولمبية إلى غزو جيرانها وإعلان الحرب على العالم. كما لا ننسى أن "هيتلر" رفض أن يسلم الميدالية الذهبية للعداء الأمريكي الأسود "جيسي أوينز" لا لشيء إلا لأنه أسود وفي منطق "هتلر" لا يمكن للأسود أن يتفوق على الأبيض. الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية هي بدورها استغلت الرياضة لتأكيد تفوقها وقوتها. الاتحاد السوفيتي ومن كان يدور في فلكه خاصة ألمانيا الديمقراطية ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا كانت هذه الدول كلها تستثمر استثمارا لا حدود له في مجال الرياضة وكانت تنفق مئات الملايين من الدولارات على رياضييها وبعض الأحيان تستعمل المنشطات وكل الوسائل للتفوق على المعسكر الرأسمالي. وكان الصراع يشتد دائما بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي في المحافل الرياضية الدولية وكانت دولة مثل ألمانيا الديمقراطية بحجمها الصغير وإمكاناتها المحدودة آنذاك تهزم في المسابقات الرياضية العالمية دولا عريقة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبريطانيا واليابان…إلخ. وابتداء من السبعينيات من القرن الماضي ظهرت الحروب الخفية في المجال الرياضي باستعمال المقاطعة الرياضية، ففي سنة 1976 قاطعت معظم الدول الإفريقية الألعاب الأولمبية احتجاجا على مشاركة زيلا ندا الجديدة التي كانت تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع الأبارتيد بجنوب إفريقيا. وفي سنة 1980 قاطعت أكثر من 60 دولة الألعاب الأولمبية بموسكو احتجاجا على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. وفي الألعاب الموالية في سنة 1984 ردّ المعسكر الاشتراكي الصاع صاعين وتعامل بالمثل وقاطعت 18 دولة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها الولايات المتحدة الأمريكية في لوس أنجلوس متعذرة في ذلك بانعدام الأمن. المونديال والألعاب الأولمبية والرياضة بصفة عامة ليست فقط كما نظّر لها "بيير دي كوبرتان" وغيره، مبادئ ومثل عليا وترقية المنافسة الشريفة وتربية الشباب بواسطة الرياضة وروح التفاهم المتبادل والصداقة من أجل بناء عالم أفضل وأكثر سلما، عالم تسوده القيم الإنسانية العليا، تسوده الأخلاق والمحبة والوئام، وإنما هي كذلك مظهر من مظاهر الصراع السياسي بين دول تتنافس وتتصارع كلها من أجل إثبات أنها هي الأقوى وهي الأحسن والأجدر بالفوز. وهل بإمكان كرة القدم أن توحّد الكوريتين؟ وهل مشاركة العراق وأفغانستان في أولمبياد ريو ستقضي على أعمال التخريب والجرائم والقتل وعدم الأمن والاستقرار في البلدين وهل الأداء الجيد لبعض الدول الفقيرة في الأولمبياد سيحل هموم ومشاكل شعوبها؟