17 سبتمبر 2025

تسجيل

التكتيك والثابت في العلاقة التركية - الأمريكية

06 أغسطس 2016

زار رئيس أركان الجيش الأمريكي جوزيف درامب أنقرة في أول زيارة لمسؤول أمريكي كبير إلى تركيا بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو الماضي. توترت العلاقات بين أنقرة وواشنطن بعد المحاولة الانقلابية من جراء عوامل عدة منها: * اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدوه اللدود فتح الله غولن بأنه يقف وراء المحاولة الانقلابية. وغولن مقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ العام 1999. * ونظرا لهذا فإن أنقرة تتهم واشنطن بأنها دعمت الانقلابيين وأنها كانت على علم مسبق بذلك. * التصريحات الأمريكية التي اعتبرتها أنقرة استفزازية وغير مقبولة ومنها قول قائد العمليات في الشرق جوزف فوتيل بأن بين الضباط الانقلابيين المعتقلين من كان على تنسيق مع الأمريكيين بشأن محاربة تنظيم "داعش". * اتهام أنقرة للمسؤولين الأمريكيين وللمسؤولين الغربيين عموما بأن إدانتهم للانقلاب لم تكن حاسمة بل تأخروا في هذه الإدانة الخجولة. زيارة درامب إلى أنقرة كانت أول محاولة للنقاش المباشر بين الطرفين. لكن ما يلفت أولا أن درامب وصل إلى تركيا من طريق العراق بعد زيارة إلى بغداد تتعلق بمحاربة الإرهاب. وبذلك لم تبد الزيارة على أنها مخصصة لتركيا تحديدا وهو ما يعكس استمرار الجفاء والفتور بين الجانبين. كذلك فإن قيام مسؤول عسكري بأول زيارة بعد الانقلاب إلى تركيا له دلالته السلبية بالنسبة للأتراك إذ كان يعكس بعدا أمنيا وعسكريا للانقلاب أكثر منه سياسيا ومدنيا وهو ما كان يفترض أن يكون مثلا وزير الخارجية جون كيري هو الزائر وليس رئيس الأركان. كذلك كان وصول درامب إلى قاعدة إنجيرليك أولا قبل أن ينتقل إلى أنقرة رسالة أمريكية واضحة إلى أنقرة بأن القاعدة هي عنوان العلاقات الثنائية وهي ليست موضع مباحثات ولا مساومة ولا ابتزاز خصوصا بعدما قيل إن الضباط الأمريكيين في القاعدة كانوا على صلة بالانقلاب وأن الانقلابيين قد استخدموا القاعدة في محاولتهم الانقلابية. والقاعدة هي أهم قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تستخدمها أمريكا وفقا لاتفاقيات مع تركيا وفيها يخزّن أكثر من تسعين إلى مائة رأس نووي. في الواقع دخلت العلاقات التركية الأمريكية مرحلة جديدة تغلب عليها الخلافات العميقة أكثر من التفاهمات والتوافقات. ومع أن التصريحات التي رافقت زيارة درامب لم تعكس تغييرا في المواقف فإن التصريحات التي تلت ولاسيَّما من الجانب التركي كانت بعيدة عن التفاؤل. بن علي يلديريم رئيس الوزراء حذر من أن الولايات المتحدة إذا لم تسلم غولن إلى تركيا فإن العلاقات ستشهد مرحلة عصيبة جدا. وهذا يعني أنه لم يتم التوصل إلى أي نتيجة بشأن هذه النقطة المفصلية في علاقات البلدين. فلا شك أن أردوغان لن يبلع بسهولة أي محاولة أمريكية لتبرئة غولن من تورطه بل وقوفه وراء المحاولة. ومع أن تطورات دراماتيكية قد لا تعرفها العلاقات الثنائية غير أن هذه العلاقات غير مسبوقة لجهة انفجار الخلاف إلى العلن في قضية حياة أو موت بالنسبة لأردوغان. وتراهن واشنطن هنا على عامل الوقت لتليين موقف أنقرة من جهة وعلى عامل آخر مهم جدا وهو أن للتصعيد التركي الكلامي ضد أمريكا حدودا كون تركيا تفتقد البديل للذهاب في خيار إستراتيجي جذري مثل روسيا. وواشنطن تريد أن يجرب أردوغان حتى النهاية الخيار البديل الذي يهدد به وهي تدرك أنه لن يجرؤ على ذلك، ليس لأنه لا يمتلك الشجاعة بل لأن موقع تركيا ودورها ووظيفتها في المنظومة الغربية - الأطلسية الأمنية والعسكرية والسياسية لا تسمح بمثل هكذا تغيير أكبر بكثير من قرار يتخذه حزب حاكم أو رئيس حاكم. كما أن أردوغان كما حزب العدالة والتنمية لا يريدون في الأساس مثل هذا التغيير ولاسيَّما في مرحلة حافلة بالمخاطر على الأمن القومي التركي من كل الجهات. لذا من المتوقع أن تكون مواقف تركيا في المدى القريب خطوات تكتيكية لا تخرج تركيا من تموضعها الإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي والمنظومة الغربية عموما وإن كانت العلاقات بين أنقرة وواشنطن لن تعرف استقرارا في المدى القريب.