10 نوفمبر 2025
تسجيلتقول الأساطير إنه لو كان الدكتور محمد مرسي في الحكم حاليا لدخل في حرب مع إسرائيل بسبب قصفها لقطاع غزة المحاصر ولأوقع مصر في أزمة كبرى. أما الحاصل فعليا فهو أن الدكتور مرسي، وقت أن كان في الحكم، نجح في التوسط لدى حماس للقبول بمبادرة وقف إطلاق النار، رغم أن حماس خلال تلك الأزمة كانت قد بدأت في توجيه ضربات صاروخية موجعة للمدن الإسرائيلية، مما أحدث نوعا من الصدمة داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، ولكن جاءت وساطة الرئيس المصري لتعطي مؤشرا على الطريقة التي ينوي التصرف بها إزاء المشاكل الإقليمية المشابهة، فهو لم يظهر اندفاعا في المواجهة، ولم يحرك قواته فور وقوع حلفائه الأيدلوجيين تحت القصف الإسرائيلي، وإنما قدم الوسائل الدبلوماسية، واستمر في الخط المحافظ الذي تسير عليه السياسة المصرية، مع فارق أساسي وهو أنه كان يبحث فعليا عن حل للأزمة القائمة وقتها. وتقول الأسطورة أن النظام الحالي في مصر سوف يعيد إحياء أمجاد الحقبة الناصرية، خصوصا في مواجهة إسرائيل، بعد أن وصل إلى الحكم ضد إرادة أميركا حليفة إسرائيل الكبرى، وبعد أن أكد أن أي تهديد يقع على أي قطر عربي سوف يتم مواجهته على نحو فوري، مؤكدا أنه لن يكتفي بدور الوسيط وإنما سوف يساهم بفاعلية ونشاط في صناعة استقرار حقيقي على الأرض، من خلال مواجهة الأطراف التي تعبث بالأمن الإقليمي. أما الحاصل فعليا فهو أن العدوان الإسرائيلي على القطاع لم يواجه من قبل النظام المصري الجديد بأكثر من إجراءات رمزية (معونات وقوافل طبية) للطرف المعتدى عليه، مع صمت كامل إزاء الطرف المعتدي، في الوقت الذي يستمر فيه النظام في التحكم في معبر رفح بفتحه وغلقه وفقا لأسباب سياسية، لا تراعي حاجات القطاع وأهله. من ناحية ثانية لا يبدو النظام الجديد على مستوى الوعود التي قطعها على نفسه، ولا يبدو أنه يمتلك لا القدرة ولا الرغبة في التحرك بفاعلية لمواجهة الفوضى الإقليمية التي تتسبب فيها الغارات الإسرائيلية، وأغلب الظن أنه يعتبر أن ضربات المقاومة هي التي تحدث الفوضى، وأنه إذا كان ثمة طرف يستحق أن يتم الأخذ على يديه فهو الطرف الفلسطيني.وتقول الأسطورة إن المقاومة الفلسطينية ما اشتركت في هذه الحرب إلا لكي تورط الجيش المصري في مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل، يترتب عليها أن تدخل مصر في نفق مظلم على غرار ما تشهده ليبيا وسوريا. والحاصل أن المقاومة لم تطلب أي معونة من الجيش المصري، واعتمدت على قدرتها الذاتية في تطوير أدواتها القتالية على نحو أدهش النظام المصري نفسه. صحيح أن المقاومة لا تطمح إلى هزيمة إسرائيل بهذه الأدوات، ولكنها على الأقل تملك إزعاجها وإحراجها، فضلا عن ردعها عن القيام بمغامرات دموية في القطاع بين الحين والآخر. أما ما يمكن أن يطلق عليه وصف توريط، فهو ما يتردد عن احتمال تدخل الجيش المصري عسكريا في ليبيا، أو قيامه بإرسال قوات إلى الحدود السعودية العراقية – كما نشرت صحيفة التايمز البريطانية مؤخرا، والخوف في هذه الحالة أن نصبح أمام نموذج مكرر لحرب اليمن ذات النتائج الكارثية على القوات المسلحة وقدراتها القتالية.وتقول الأسطورة أن المقاومة الفلسطينية تريد زيادة سخونة الموقف وتعظيم الكلفة البشرية المقدمة من مواطني القطاع لكي ترغم المسؤولين المصريين على فتح معبر رفح تمهيدا لتوطين الفلسطينيين في سيناء، التي كان الرئيس مرسي سيبيعها لهم، أو حتى يسلمها لهم بلا مقابل. والحقيقة أنه رغم القصف والحصار، مازال الغزاويون متمسكون بأرضهم، وبيوتهم، لا يغادرونها إلا طلبا للعلاج، ولكن أنظمة الاعتدال العربية تبخل حتى بهذا عليهم، رغم أنها تعلم أن طاقة مستشفيات القطاع لا تحتمل عدد المصابين جراء القصف الإسرائيلي العشوائي، وتستمر عبر أبواقها الإعلامية في الترويج لكذبة أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم في الماضي وهم راغبون في الفرار منها في الحاضر.وتقول الأسطورة إن امتناع "الأشقاء" في مصر عن مساعدة القطاع بشكل فعال مرجعه أن حماس هي التي فتحت السجون المصرية وأفرجت عن الإرهابيين في سيناء، وأنها متحالفة مع حركة الجهاد العالمي، ما يمكن أن ينتهي بداعش إلى أن تصبح على الحدود المصرية.والحقيقة أن معظم الجماعات الجهادية على خلاف مع حماس، ولا ترغب في أن تمد لها يد العون في حربها ضد الكيان الصهيوني، وهذا ما فهمه رئيس وكالة المخابرات العسكرية الأمريكية (مايكل فلين)، الذي حذر مؤخرا أن القضاء على حماس يمكن أن يأتي بما هو أسوأ، ملمحا إلى الجماعات المسلحة الأخرى. وقد دخلت حركة حماس نفسها في مواجهة دموية مع عدد من هذه الجماعات، كما في حادثة مسجد ابن تيمية الشهيرة. أما ما يقال عن تورط حماس في الشأن الداخلي المصري فلم يقم عليه أى دليل حتى يومنا هذا.هذه الأساطير وغيرها، تعكس بعض أزمات العقل العربي وهو يفكر في العدوان الإسرائيلي الأخير، كما أن هذه الأساطير هي نفسها المقولات الأساسية لدى مؤيدي سياسات الاعتدال التي تدعم الوضع الراهن. المشكلة التي يثيرها هذا النمط من التفكير أنه يحاول تبرير عجز الأنظمة العربية عن البحث عن حل للأزمة أو وضع حد للسلوك الإسرائيلي العدواني، كما هو يحاول تبرير استمرار سياسات الحصار التي تمارسها عدد من "أنظمة الاعتدال" بحق من كانوا ذات يوم يوصوفون بالأشقاء الفلسطينيين.