25 سبتمبر 2025

تسجيل

استقالة عنان... والمشهد السوري

06 أغسطس 2012

بينما تزداد وتيرة العنف ضراوة في المشهد السوري هذه الأيام حتى وصلت إلى شن الطيران الحربي من نوع الميغ الروسي والحوامات التي تهدي الشعب السوري المصابر لهيب قذائف الباطل في شهر الحق والسلام رمضان، في هذا الوقت بالذات يطلع كوفي عنان علينا مقدما استقالته من متابعة الملف السوري موضحا أنه لم ير طوال مدة مبادرته ببنودها الستة أي ضغط دولي فعال ذي بال على حكومة الأسد ولا المعارضة معربا أنه وجد أن الصراع دخل في أتون العسكرة الفعلية وخرج من حلبة النزاع السياسي مما لا يستطيع معه أن يتابع معالجة الأزمة، منوها بأنه مع ذلك لابد من انتقال للسلطة وتنحي الأسد عن الحكم، منبها أن توقف المراقبين عن متابعة مهمتهم بسبب الفشل في إيقاف العنف خصوصا من قبل النظام قد أقنعه بالاستقالة كي لا يتواصل مسلسل حمام الدم ويكون هو شاهدا عليه دون نتيجة تذكر، وليريح ضميره بذلك، حيث إن سكرته أو إسكاره بجولات مكوكية بين دمشق وروسيا وطهران والصين وبعض الدول الغربية جعلته غافلا ولابد له من صحوة وعودة إلى الوعي حيث لا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة، والحق أن عنان ما كان منصفا حين سوى بين الجلاد والضحية واتهم المعارضة - وهو يعرف هنا أنها هي الشعب – بالعنف مع أن الضحايا إنما قاموا يدافعون عن أنفسهم في مواجهة آلة القمع الوحشية للعصابة الأسدية التي تقترف المجازر البشعة العديدة ثم تذهب لتبررها على مذهب من يرى أنه ضربني وبكى وسبقني واشتكى، ولا غرو أن يصدر ذلك ممن تمتعوا بملكات الخبث الثلاث اللؤم والكذب والخسة وقد نسي عنان أو تناسى أن الوعود الكاذبة لهؤلاء إنما هي الكمين الذي يقع فيه الحمقى مع أن أكثم بن صيفي كان يقول: لأن أموت عطشا أحب إلي من أن أخلف وعدا، أقول: خصوصا إذا كان يتعلق بحياة الأمة والمواطنين، وهكذا ظن عنان أنه دبلوماسي مخضرم لا يمكن أن يلتف أحد عليه فلعب عليه حتى المحصرمون ومن هنا فقد كان ممن يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعهم الناس وما ذلك إلا لأنه لم يفهم طبيعة الصراع الدائر في سوريا وحقيقة البعد الطائفي الذي بلغ شأوا بعيدا لدى الحكومة الأسدية ضد شعبها إلى درجة إرادة وإدارة القتل والسحل والتمثيل والسجن والاعتداء على الشيوخ والنساء والأطفال عمدا وبأسلوب ممنهج مؤدلج طائفيا وفيه يشتم الله والرسول والصحابة وأهل السنة دون إقامة حق للمواطنة التي يرفعون شعارها زورا وبهتانا ووسط هذا السلاح الفتاك والأسلحة النارية الأخرى فإن القوانين تصبح صامتة سوى قانون الغابة الذي يرأسه الأسد القوي ظاهرا الجبان حقيقة أمام الثوار وأمام الصهاينة المحتلين العاجزين عن الرد على تحليق الطيران الإسرائيلي فوق قصره رغم أنه توعد بالرد في الوقت المناسب فضلا عن تحرير شبر واحد من الجولان الذي قدم هدية لإسرائيل مقابل تثبيت أبيه في الحكم وهو من بعده، نقول هذا رغم أنه من المعروف أن الجيش السوري يعتبر الثاني في المنطقة بعد الجيش الإسرائيلي والسادس عشر في العالم.  إن استقالة عنان في هذه الأيام تثبت إقراره الجازم بالعجز التام للمجتمع الدولي إزاء المسألة السورية وأنه لم يعد أي أفق لأي حل سياسي في ظل التعنت الأسدي للتشبث بالسلطة وأن المحللين السياسيين كانوا قد أدركوا ذلك وأن مبادرته قد ولدت ميتة أصلا لأنها غير ملزمة ولم يعمل هو على أي تصرف يلزم اللانظام السوري بالوفاء بتعهده لتطبيق المبادرة ولذلك كان اللانظام مسرورا بها هو وروسيا وإيران والصين ولأنه لو نفذ البند الأول منها والذي يقضي بإيقاف العنف لخرج الشعب السوري بالملايين وسقط النظام حتما وبسرعة وهكذا، فخطة عنان خذلت الشعب السوري كما خذل المجتمع الدولي الشعب البوسني سابقا، ومازال الخذلان في هذه المسرحية مستمرا رغم بحار الدماء والدمار الهائل في سوريا، ولم يتحرك هذا المجتمع المنافق لإنشاء ملاذات آمنة للمدنيين ولم يوافق على أي حظر جوي يمنع نفاثات اللانظام وحواماته من تدمير البلاد والعباد، فلا حياء ولا خجل ولا اعتبار للمبادئ والقيم والأرواح أمام المصالح الدولية، ولذلك فإننا نرى أنه قد لا يوجد مخرج لهذه القضية إلا بالتدخل العسكري من الناتو بعد فشل مجلس الأمن، وعدم جدوى مناصرة الجمعية العامة للأمم المتحدة للشعب السوري في الموافقة على القرار الذي تقدمت به السعودية لإدانة العصابة الأسدية وطلب الانتقال الضروري للسلطة وإذ تقوم الأمم المتحدة اليوم باختيار بديل لعنان فلابد أن نؤكد أنه إذا تم ذلك بصلاحيات وكانت أعماله قابلة للتنفيذ فأهلا وسهلا وإلا فإنه قد يمدد في قتل السوريين أكثر وأكثر وكفى عنان أنه خلال مبادرته قد قتل منهم أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة بريء ودمرت الممتلكات تدميرا فقليلا من النخوة، قليلا من الحياء، قليلا من الدم المتعاطف مع أبناء سوريا الأبية، أيها المجتمع الدولي الذي يزعم العدالة وصون حقوق الإنسان وإلا فإن السوريين سينتزعون بقوة حريتهم بأيديهم مهما طال الأمد وعظمت التضحيات بإذن الله.