13 سبتمبر 2025

تسجيل

ميت رومني بين الغباء والصلف

06 أغسطس 2012

لم يكن مهماً، في حد ذاته "اعتراف" ميت رومني بالقدس "عاصمة" لإسرائيل، فهو حتى لو وصل إلى البيت الأبيض سيجد أن انفراد واشنطن بهذا الاعتراف لن يكون اجراء غير قانوني فحسب، ولا تخريبا متعمداً فحسب، وإنما سيكون "تعطيلاً" لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، أما المهم في خطوة المرشح الجمهوري فهي إنها كشفت إلى أي حد باتت قضية الشعب الفلسطيني مهمشة في كواليس صنع القرار الأمريكي، وإلى أي حد يتسابق رومني ومنافسه الرئيس الحالي باراك اوباما لاسترضاء دولة مارقة اساءت لأمريكا وسمعتها ودورها، ومع ذلك تبقى محجة لأزمة وضرورية لأي مرشح للرئاسة الأمريكية. ورغم أن الأمريكيين – كما الإسرائيليين- يعرفون أن هذا "التهميش" للقضية ما هو إلا وهم، إلا أنهم يجربون زرع الفكرة وترسيخها والعمل بها كأنها صارت واقعاً، وهكذا فإن رومني شاء أن يبدأ من حيث انتهى اوباما، فيبني على فشل الأخير وخيبته، مدركاً أن ثمة فرصة للاستفادة من الاهانة التي تعرض اوباما بفضل دهاء بنيامين نتنياهو وتطرفه، ولأجل ذلك يكفي أن يذهب رومني إلى أبعد مما يتوقعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، فالمزايدة إحدى القواعد "المشروعة" في الحملات الانتخابية، فالكلام لا ضريبة عليه، لكنه قد يجتذب أحداث في صناديق الاقتراع. ثم أن ارتكاب موقف عنصري إزاء الفلسطينيين لن يفقده أي صوت حتى بين العرب الأمريكيين المؤيدين عادة للحزب الجمهوري. بدا رومني بالغ الاستماتة لانتزاع لقب "صديق إسرائيل" وللحصول على أصوات اليهود، ولم يبد مهتماً باستعداء لا يخلو من الغباء حيال العرب والفلسطينيين، فهو رجل اعمال يذهب قلبه إلى حيث المصلحة، ومن الواضح أن بينه وبين ملفات السياسة الخارجية مسافة شاسعة، ولا يبدو أن مستشاريه في هذا المجال استطاعوا أن يعوضوا هذا النقص الفادح- فحيث لا يخطئ مرشحهم يتولون هم ترتيب الهفوة بالنيابة عنه، خذوا مثلاً انهم نصحوا رومني بالتعاطي مع هواجس إسرائيل تجاه الملف النووي الإيراني من زاوية تزكية "خيار الحرب". وما لم يقله المرشح صراحة سعى مستشاره للسياسة الخارجية دان سينور الافصاح عنه، إذ قال انه "إذا ارادت إسرائيل التصرف من تلقائها لمنع إيران من تطوير قدرتها النووية فإن رومني سيخدم هذا القرار". لم يكن نتنياهو ولا ايهود باراك ينتظران المرشح الجمهوري لتشجيعهما على الحرب- وليس موقفه هو الذي سيدفعهما إلى اتخاذ قرار متهور كهذا- لكن تهافت رومني وقلة خبرته منحاهما فرصة للتلاعب بالمرشحين معاً، وبالاخص لدعم حججهما ضد إدارة اوباما التي لا تزال، مع الحلفاء الأوروبيين، تستبعد ظاهرياً على الاقل أي عمل عسكري وتفضل نهج العقوبات والمفاوضات مع إيران، وبديهي أن إدارة اوباما تنطلق في ذلك من مصلحة أمريكية خصوصاً وغربية عموماً، أما المرشح الجمهوري فكل ما يهمه في الوقت الراهن أن يؤمن فوزه في الانتخابات، ولا يبدو انه فهم شيئا من المناورات السياسية التي قام بها الإسرائيليون مستغلين زيارته وتصريحاته، كما أنه لم يفهم انه ساهم عمليا في تسخيف مسألة الحرب التي ناقشها نتنياهو مع موفدي اوباما، وفي طليعتهم مستشاره للأمن القومي ووزير دفاعه، فالإسرائيليون يعلمون أن حظوظ رومني في الرئاسة تبقى محدودة وضعيفة، لكنهم يستخدمونه لابتزاز اوباما. حاذر جميع المرشحين، قبل رومني، حتى خلال زياراتهم لإسرائيل، التصريح بمواقف قد لا يتمكنون من الحفاظ عليها في حال انتخبوا، خصوصا إذا كانت من النوع الذي لا يحسم بقرار أمريكي، ففي العام 2008 قصد المرشح اوباما إسرائيل، ولم يتردد حينذاك في الحديث عن "القدس عاصمة لإسرائيل" لكنه شدد على أن هذا الأمر مرتبط بـ"الوضع النهائي" الذي يتفق عليه الفلسطينيون والإسرائيليين من خلال التفاوض، طبعاً.. لم تنل هذه الصيغة اعجاب الإسرائيليين، ولم يكن الفلسطينيون مرتاحين إليها، أما رومني فلم يتجاهل استحقاقات التفاوض فحسب، وإنما ابدى استعداداً للاعتراف أيضا بـ"يهودية" الدولة الإسرائيلية، وطالما أنه اجتاز عتبة العنصرية حين عزا التأخر الاقتصادي الفلسطيني مقارنة بإسرائيل إلى "تفاوت حضاري وثقافي"، فإنه بدا جاهلاً تماما ماذا يمكن أن يفي الاحتلال، بالأخص إذا كان إسرائيلياً، وما يمكن أن يفرضه من اعاقات متعمدة للتنمية. كيف يمكن التعامل مع شخص بهذا العقل السياسي الضيق، إذا قدر له أن يفوز بالرئاسة الأمريكية بعد نحو ثلاثة شهور من الآن، وكيف يمكن لمن يبدي كل هذا الحقد والاحتقار للشعب الفلسطيني أن يدير "عملية سلام"، صحيح أن الهراءات التي اطلقها اثارت حفيظة العرب والفلسطينيين، بل فاجأتهم بفجاجتها، لكنهم لم يكونوا وحدهم "فالاوروبيون، استهجنوها أيضاً وقابلوها بالقلق، إذ أنهم شركاء الولايات المتحدة ويعتمدون عليها بل يسلمون احتكارها القرار الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ولذلك فإن وجود رومني في البيت الأبيض محاطاً بفريقه اليميني الأكثر تطرفاً من فريق جورج دبليو بوش سيعني حقبة بالغة الصعوبة والعقم". اعتاد المرشحون القيام ببعض الرحلات الى الخارج، سواء للتعريف بانفسهم أو لنسج علاقات في انتظار ما سيكون، لكن رومني راكم الهفوات في محطاته الثلاث، بريطانيا، إسرائيل، وبولندا، إلى حد أن احد الرياضيين الأمريكيين المشاركين في الألعاب الاولمبية لاحظ أن الأفضل لبعض الأمريكيين ألا يخرجوا مطلقاً إلى العالم". ولدى عودة المرشح الجمهوري إلى الولايات المتحدة وجد عاصفة من علامات الاستفهام في استقباله، هل هو مؤهل للقيادة؟ والارجح أن الجواب المضمر هو: لا.