31 أكتوبر 2025

تسجيل

ضرورة التفاهم الإقليمي قبل ضياع المزيد

06 يوليو 2014

تختلط الأوراق بشكل دراماتيكي عبثي عجيب وتعتم الرؤية لمستقبل المنطقة التي أفرزت أحداثها مسارات وقوى جديدة تتسلق الأحداث وتفرض واقعاً مزعجاً لا يبشر بالخير للجميع ؛ فكما في مصر استمرار للغضب وامتعاض تغذيه الفرقة على حساب الوطن وأمن أبنائه وقوتهم هناك في لبنان عطل مكرس للمؤسسة الرئاسية تبرره المصالح ليس إلا وهي مصالح من النوع الثقيل ظاهراً وباطناً لا ترى في سيادة الدولة ولا في أمنها أي مصلحة أو استحقاق للمواطن العادي للعيش بسلام ؛ وفي العراق تمزق خطير يهدد كيانه وكل الإقليم العربي كافة ببوادر ربما أخطر من الحالة في تونس وليبيا أو حتى سوريا. كانت اهتمامات الناس قبل النوم في كل هذه الدول قبل سنوات قريبة متابعة نشرات الأخبار وما تحمله من مواجهات مع العدو الصهيوني المزمن والتركيز على حالة الطقس ومعرفة الصيدليات المناوبة لمجرد إسعاف حالات المغص المعوي أو أي طارئ صحي ينتابهم خلال الليل. تبدل الحال في محيطنا العربي وغدت الاهتمامات بغير رياح الموسم فصار الليل كالنهار مخيفاً بما يحمله من مفاجآت وتحولات لا تستهدف سوى الفوضى وضياع المجتمعات التي كانت أمنة مستقرة ؛ فكل الصور والأخبار التي تصلنا من هناك تتحدث عن حمامات واسعة من الدم ومواجهات مستطيرة وأجندات مفخخة يتلبس بعض أطرافها بلباس الدين والتاريخ. وليس بعيداً عن الرؤية التحليلية التي تأخذ بإسناد الأحداث ومسوغاتها إلى المؤامرة الغربية وأعوانها لإشعال الفوضى والاضطراب في المحيط العربي لتحقيق مكتسبات مبهمة أو حماية للدولة العبرية ناهيك عن بعض المصالح والأهداف الإقليمية لبعض دول المنطقة والمتفقة مع نفس الهدف. وقد تكون تلك المعطيات ممكنة ضمن حزمة من الأهداف التي تدفع بالمنطقة وأهلها إلى هذا التناحر البغيض الذي يمكن وقفه بمجرد تحكيم العقل وتدبر الضمير المحلي وأمانته ومسؤوليته تجاه الأمة. ولكن ربما يكون هذا النوع من التفكير البسيط بالتعويل على الضمير والأمانة وغيرها من مفردات الإيجابية في ظل تخمة هذا الاستعداء التاريخي والتقديم للمصالح أمر من ضروب الخيال. وفي استقراء سريع لخارطة القوى والتلاقيات ضد مكامن الخطورة قد يبدو أن هناك حالة لتوافق إقليمي قادم بين القوى المتنافرة في المنطقة وأن لم يحدث هذا التوافق حتى الآن إلا أنه مشروع قادم تفرضه الحالة العراقية خاصة لضمان نواحي مرحلية تحد من نمو المزيد من التطرف وتدهور الأوضاع ؛ فربما لم تنجح اختبارات القوة في لبنان ولا حتى في سوريا وتحاول القوى المؤثرة النجاح في العراق حيث كان الحدث جللاً وسريعاً لذلك نعول حقيقة على تفاهمات سريعة وشفافة في المنطقة تحقيقاً لما يعيد الأمور إلى نصابها ويحلحل الكثير من الأمور المستعصية في أكثر من موقع للأزمة. فهناك اتفاق ضمني على وحدة وسلامة العراق والحيلولة دون تقسيمه خاصة وأن القادة في كردستان العراق يتحينون الفرصة التاريخية لتحويل إقليمهم إلى دولة جديدة على خارطة العالم بعد عقود بل وقرون طويلة من الصراع من أجل بناء القومية الكردية وفق سيادة مستقلة وحدود تشمل كل أجزائها في الدول المحيطة ؛ أنا لا اقلل من شأن الأكراد وحضورهم التاريخي واستغرب حقيقة غيابهم الطويل وتوزعهم كأجزاء بين الدول رغم حفاظهم الشديد على قوميتهم وموروثهم وتحملهم تبعات طموحاتهم بالكثير من الصبر والأرواح ولكن أن يكون العراق الضحية لهذا الهدف بعد معايشات واتفاقيات تاريخية فهذا غير مبرر خاصة وأن القادة الأكراد استنجدوا بالصوت الصهيوني لتمرير قيام دولتهم. فقد سمعنا عن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤيدة لهذا الانفصال وسمعنا عن بواخر النفط المتجهة من اربيل إلى إسرائيل ربما في محاولة لصياغة معادلة جديدة في المنطقة وفقاً لما فرضته حالة الفوضى جراء تهلهل القوة المركزية في بغداد وفقدانها السيطرة على أجزاء مهمة من العراق إثر الإيغال الطائفي والتعسف المكرس الذي أسهم في خلط الأوراق وفرض واقعاً مخيفاً لكل المنطقة ببروز قوى التطرف ضمن المعادلة الإقليمية التي تحتاج فعلاً إلى تبصر أعمق يضمن حلولاً تحافظ على الكيانات والحدود ومواجهة التطرف الذي يستهدف الجميع مهما كان منشأة ومسببات حضوره.