11 سبتمبر 2025

تسجيل

في إشكالية توطين وظائف الإعلام (2)

06 يوليو 2013

إن عملية التوطين لا تتم بين عشية وضحاها وإنما تحتاج إلى خطة عملية مدروسة ومنتظمة كذلك يجب الانتباه إلى الارتجال ومحاولة سبق الأحداث والمراحل. من أهم المشاكل التي يعاني منها خريج الجامعة ليلتحق بالمؤسسة الإعلامية سواء في دولة قطر أو في باقي دول العالم مشكلة الخبرة، وخريج الجامعة بطبيعة الحال لا تكون لديه خبرة لأنه في مرحلة شبابه كان منشغلا بالدراسة وليس بالعمل، وحتى إذا حاول أن يعمل بدون شهادة جامعية في أي مؤسسة إعلامية فإنه لا يُقبل. وهكذا يجد الخريج نفسه في حلقة مفرغة. المشكل الرئيسي الثاني الذي يواجه الخريجة الجامعية في ميدان الإعلام والاتصال هو موقف العائلة والمجتمع ككل من مهنة الصحافة حيث يواجهها موقف سلبي في الكثير من الأحيان ناجم عن صور نمطية وصور مشوهة وخاطئة عن العمل الصحفي والعمل في المؤسسة الإعلامية بمختلف أشكالها وأنواعها. مشكل آخر يحول دون إقبال الشاب القطري على مهنة الصحافة والممارسة الإعلامية بصفة عامة هو أن مهنة المتاعب تتطلب الكثير من صاحبها ولا تعطيه إلا القليل، أي أن الراتب والحوافز لا تشجع على الإقبال على العمل في المؤسسة الإعلامية وأن الوظيفة تتطلب مهارات كبيرة وثقافة واسعة ومطالعة مستديمة ومواكبة مجريات الأمور محليا ودوليا وهذا ما قد لا يقبل به الكثير من خريجي وخريجات الجامعة في أيامنا هذه. من المشاكل الأخرى التي تواجه خريجي الجامعة للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية - وهذا ليس في دولة قطر فقط وإنما يكاد ينسحب على دول العالم بكاملها- الحساسية الموجودة بين الجيل القديم والجيل الجديد وكذلك بين الجيل الجامعي والجيل الذي امتهن الصحافة وأبدع فيها بدون الجلوس على مقاعد الدراسة في أقسام الصحافة والإعلام. وهذا الصراع بين الأجيال يؤدي دائما إلى سوء تفاهم وصد الأبواب أمام الجيل الجديد من الإعلاميين والمبدعين. وفي حال دولة قطر نلاحظ تعدد الجنسيات وتعدد المدارس والمفاهيم وبعض الأحيان المقاربات والاتجاهات، ورغم أن هذا التنوع والاختلاف يؤديان إلى تميز تُحسد عليه دولة قطر إلا أنه كذلك له سلبياته ونقاط ضعفه. إن عملية توطين وظائف الإعلام بالدولة تتطلب خطة محكمة ومدروسة من قبل المسؤولين على الإعلام في الدولة من جهة والمؤسسات التي تكوّن الكوادر الإعلامية من جهة ثانية والمؤسسات الإعلامية التي توظف هذه الكوادر من جهة ثالثة. وهذا يعني أن خريج الجامعة بالتنسيق ما بين الجهات الحكومية المسؤولة عن الإعلام والمؤسسة التي تكوّنه والمؤسسة الإعلامية التي توظفه مستقبلا بإمكانه أن يتدرب ويعرف مسبقا المؤسسة التي يعمل فيها منذ السنة الأولى من التحاقه بالجامعة. نستنتج من هذا الكلام أن المؤسسة الإعلامية وضمن خطة التوطين من واجبها أن توفر التدريب العملي للطالب الجامعي وتعمل على استقطابه للعمل لديها، كما أن الدولة يجب أن تنظم من فترة إلى أخرى دورات تدريبية للقائمين بالاتصال القدماء منهم والجدد وهذا لمواكبة التطورات التكنولوجية والنظرية في المجال الإعلامي وثورة الاتصال والمعلومات. وهنا تجدر الإشارة إلى الدور المتميز الذي تقوم به وكالة "قانا" في هذا المجال. من جهة أخرى يجب على الطالب أو الطالبة الجامعية أن تلتزم بالمؤسسة الإعلامية التي تسهر على تدريبها بعد الالتزام بحب المهنة والتفاني من أجلها. فعملية التوطين تتوقف على التزام المؤسسة الإعلامية سواء كانت عامة أم خاصة في وضع برنامج وخطة واضحة المعالم تحدد فيها احتياجاتها من الإطارات والكوادر الصحفية المواطنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد وما هي إستراتيجية استقطابها للعناصر الجامعية وكيفية تدريبها وتكوينها للقيام بالواجب كما ينبغي. بالنسبة للدولة فدورها يتحدد أساسا في إلزام المؤسسات الإعلامية على توطين المهنة والمساهمة في عملية التدريب والتعليم المتواصل. من واجب المؤسسات الإعلامية كذلك إنشاء مراكز متخصصة للتدريب والتطوير الوظيفي في مجال الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة والوسائط المتعددة..إلخ. وهنا لا يسعنا إلا أن نشيد بالدور الرائع الذي تقوم به شبكة الجزيرة من خلال مركز التدريب والتطوير الذي لقي نجاحا باهرا ليس على مستوى دولة قطر فحسب وإنما على مستوى المنطقة بكاملها. الملاحظ أن نسبة كبيرة من القائمين بالاتصال في دولة قطر هم من الدول العربية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية أما بالنسبة للمؤسسات الناطقة باللغة الإنجليزية فمعظمهم آسيويون يمارسون مهنة الصحافة في دولة عربية ومعظمهم لا يتقن لغة الضاد وهذه مشكلة يجب أن تعالج مستقبلا حيث يتوجب على الجامعات والمؤسسات المكونة أن تكوّن إعلاميين مواطنين وعرب ينتجون المادة الإعلامية ويكتبون باللغة الإنجليزية كما يكتبون باللغة العربية. ونلاحظ أن ما يزيد على 95% من الصحفيين في دولة قطر وافدون، وأن معظمهم لم يستفد ولو من تدريب واحد منذ أن التحق بمؤسسته الإعلامية. هذه الأرقام تشير إلى ضرورة التوطين وأهمية التكوين والمتابعة العلمية والفنية والتعليم المستمر للقائم بالاتصال في الدولة، ذلك العنصر الذي يعمل على تشكيل الرأي العام ويعمل على مسايرة ما يجري في المجتمع بإيجابياته وسلبياته. العملية إذا تتطلب تعاون الجهات الثلاث: الدولة من جهة والمؤسسات الجامعية والكليات التي تكوّن الكوادر الإعلامية والمؤسسات الإعلامية التي توظف هذه الإطارات وإذا تهاونت جهة من هذه الجهات في التنسيق والتعاون والعمل على تنفيذ الإستراتيجية فإن العملية ستنتهي بالفشل ويبقى الخلل قائما. فالدولة مطالبة بوضع إجراءات وقوانين تلزم بها المؤسسات الإعلامية باستقطاب العنصر المواطن وضمّه إلى المؤسسة إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية لضمان تطوير مهارات وخبرات الصحفيين والقائمين بالاتصال في الدولة سواء القدماء منهم أو الجدد وسواء كانوا مواطنين أو وافدين. لقد حان الوقت لوضع الثقة في ابن وابنة قطر كما حان الوقت بالنسبة للجيل الجديد من أبناء قطر أن يرفع المشعل ويفرض وجوده للقيام بالواجب الوطني، واجب البناء والتشييد والتنمية الشاملة. ومهما توفرت الكفاءات والإطارات فإن ابن قطر هو الأجدر بمعرفة خبايا وخلفيات مجتمعه وأبناء جلدته وهو الأجدر بمعالجة هموم وقضايا مجتمعه، وحتى يكون إعلام قطر في مستوى الإنجازات المختلفة للدولة فلابد من الاهتمام بصانع الرسالة الإعلامية دون أن ننسى المستلزمات الأخرى (الراتب والامتيازات، هيئة مستقلة تعنى بقضايا الإعلام، القوانين والتشريعات التي تضمن حرية الصحافة، جمعية للصحفيين) التي يجب أن تتوفر لنستطيع أن نتكلم عن إعلام قطري وطني حر ومسؤول وملتزم وفعال.