17 سبتمبر 2025

تسجيل

"أوهام" أنقرة: من سوريا إلى مصر

06 يوليو 2012

لم تكن حادثة إسقاط الطائرة التركية من جانب الدفاعات الجوية السورية سوى ذروة التوتر في العلاقات التركية السورية. وجاءت المقابلة التي قامت بها صحيفة جمهورييت التركية مع الرئيس السوري بشار الأسد لتلقي حجرا ضخما في المياه الآسنة للعلاقات بين البلدين. على امتداد أشهر الأزمة في سوريا لم ينقطع المسؤولون الأتراك عن الانتقاد اليومي وأحيانا على مدار الساعة للنظام في سوريا وأشخاصه.يكاد يجفّ القاموس من الكلمات التي لم يستخدمها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو بحق الرئيس السوري وأركان نظامه.ومهما كانت المبررات ففي النهاية سوريا ليست ولاية تركية وأنقرة ليست معنية مباشرة بمصير الدول الأخرى ولا وصية عليها وليس من مهامها أن تغيّر الأنظمة في مناطق ما وراء الحدود. وحكم نهج الحكومة التركية تجاه سوريا غير مقبول.لأن أنقرة في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية ليست أنقرة ما قبل أردوغان- داود أوغلو. وهذا لا يتصل فقط بالموقف بل الرؤية التركية تجاه سوريا بل يطال كل المواقف التركية تجاه دول الربيع العربي وتلك التي لم يحصل فيها هذا الربيع. تركيا في النهاية بلد إقليمي كبير له مصالحه وطموحاته ومطامعه شأنه شأن أي قوة إقليمية ودولية ترى قوتها على أن فيها "فائضا" يجب تصريفه في الخارج. يقول أحمد داود أوغلو إن المجازفة التركية الكبرى كانت في مصر عندما دعا أردوغان الرئيس السابق حسني مبارك إلى الرحيل. وتركيا شاركت في الهجوم الأطلسي على ليبيا بعدما كانت تقف إلى جانب القذافي. الدور التركي لم يعد خافيا على أحد.فتركيا تسعى إلى التفرد بزعامة المنطقة من خلال تنصيب نفسها وصية على حركات الإخوان المسلمين واستخدامهم من أجل مصالحها.من هنا تلك المجازفة التركية لترحيل حسني مبارك والعمل على إسقاط الأسد. وأيضا كلام أردوغان أن صوت تركيا إلى جانب الشعوب يجد صدى له عند الرئيس المصري الجديد محمد مرسي. وتركيا في كل هذه المواقف تمارس سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لمصر.وتسعى لتسخير القوة المصرية العظيمة وتحويلها إلى مجرد تابع وملحق لسياساتها.وهو ما يتعارض مع الشخصية المصرية وتاريخ مصر وهوية مصر ودور مصر. لقد قامت الثورة في مصر ليس من أجل إلحاق مصر من جديد في مشاريع الآخرين.لقد ألحق مبارك مصر بالمشروع الإسرائيلي وحوّل مصر إلى دمية لا قرار لها ولا دور.واليوم لا يمكن لمصر أن تلتحق بمشاريع الآخرين وفي المقدمة المشروع التركي.لم يتحرك باني عصر النهضة المصري محمد علي باشا ويخرج السلطة العثمانية من مصر لتعود إليها بعد قرن ونصف القرن بمسميات جديدة. ونقطة ضعف كل المشاريع الخارجية في المنطقة العربية أنها تحاول التغلغل والنفوذ في حقل يحاول أصحابه من العرب أن ينتفضوا على واقعهم والعثور على شخصيتهم وكرامتهم.وهذا كان من أهم أسباب الثورات.وهي انتفاضات على العامل الإسرائيلي وعلى التدخلات الخارجية الدولية وأيضا على كل مشاريع التدخل الإقليمي من أي جهة أتت. لقد سعت تركيا أولا إلى هدم الأنظمة التي تقف عقبة أمام سياساتها ولاسيَّما في مصر.واليوم تسعى إلى مصادرة الثورة عبر وصول "إخواني" إلى السلطة اعتقادا بأنه سيكون خاتما في يدها في مشاريعها الإقليمية.ورغم كل التقاطعات الأيديولوجية بين حزب العدالة والتنمية في تركيا وحركة الإخوان المسلمين في مصر فإن الثورة المصرية لم تكن ثورة دينية والسعي لتشكيل محور أيديولوجي مغلف بيافطة الديمقراطية بين تركيا ومصر كما يقترح داود أوغلو لا يعكس حقيقة أن مصر ليست بحاجة لتكون جزءا من سياسات المحاور بل تحتاج إلى مشروع يستعيد شخصيتها ودورها وتأثيرها كدولة مركز في المنطقة وليست ملحقا وهو ما يستدعي دعوة الإخوة الأتراك لأن يتوقفوا عن اللعب في المصائر الداخلية للدول حتى لا يواجهوا مأزق عدم القدرة على الرد على مجزرة مرمرة على يد الإسرائيليين وإسقاط سوريا للطائرة التركية.ليس لأن تركيا عاجزة عن الرد العسكري بل لأنه في الحسابات الكبرى ينكشف الواقع عن "وهم" اسمه فائض قوة لا يزال يشترط على سبيل المثال،وبلسان رئيس الأركان التركي نجدت أوزيل، موافقة واشنطن ليضرب حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل العراقية.فكيف بالعلاقة مع الدول وممارسة دور الزعامة الإقليمية؟