13 سبتمبر 2025
تسجيلمتشابه القرآن باب عظيم القدر، دقيق المسلك، يحتاج إلى تأمل وفكر، وصبر وروية، ولطف في التناول؛ لأن هذا المتشابه غزير في تنوعه، وعسير في تأمله، وبابه مفتوح دوما، فخزائن المتشابه مليئة بالأسرار التي تحير الألباب. وعلى كثرة ما ألف وصنف في القرآن وقراءاته إلا أننا لا نجد إلا كتبا معدودة، بدايتها يرجع لعام 189 هـ حينما ألف أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي كتابه متشابه القرآن؛ ليكون عونا للقارئ على حفظ كتاب الله تعالى.وبعده بما يزيد على قرن ونصف من الزمان يأتي أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي (336هـ) ليكتب متشابه القرآن العظيم؛ ليكون عونا للقارئ على الحفظ، وزادا لمن يريد أن يرد على الملحدين بأن في القرآن تكرارا.ويأتي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالخطيب الإسكافي المتوفى سنة 420 ليكتب كتابه درة التنزيل وغرة التأويل ليزيد في التحليل الجمالي للقرآن الكريم، ويكون أكثر أمثلة وأعمق تحليلا ممن سبق، ويرسم خطا يتبعه فيه من لحق.ثم يأتي الإمام الكرماني عام 505 هـ في كتابه البرهان في أسرار القرآن ليبين وجوها أخرى في تفسير الآيات المتشابهة، ومن بعده بما يزيد على مائتي عام يكتب أبو جعفر أحمد بن الزبير الغرناطي (708هـ) كتابه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، ويلحقه بقليل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المعروف بابن جماعة عام 733 ليكتب (كشف المعاني في المتشابه من المثاني) ثم أبو يحيى زكريا الأنصاري عام 926 هـ الذي كتب (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن).وفي الدراسات الحديثة نجد دليل المتشابهات اللفظية في القرآن الكريم للدكتور محمد الصغير، وكتاب من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن للدكتور محمد الصامل، ومتشابه النظم القرآني بين الإسكافي والغرناطي للدكتور محمود مخلوف، والمتشابه اللفظي وأسراره البلاغية للدكتور صالح الشثري والتوجيه البلاغي للمتشابه اللفظي عند الخطيب الإسكافي وابن أبي الإصبع المصري وجهوده في المتشابه القرآني للدكتور يوسف الأنصاري، والمتشابه اللفظي في القرآن الكريم وتوجيهه لمحمد راشد بركة، وكتاب دراسة عن توحد المضمون وتبدل النسق في القرآن للدكتور صفوت الخطيب، وأخيرا متشابهات آي القرآن دراسة نحوية دلالية مقارنة للدكتور راشد أحمد جراري.كل هذه الدراسات التي ذكرتها لك آنفا هي ما استطعت جمعه في علم المتشابه، وهي دراسات تشترك وتفترق فيما بينها، فأما اشتراكها فإنها قد تتناول مواضع واحدة من الآيات المتشابهات، وأما افتراقها فإنها تختلف في التحليل والتأويل.كما أن هذه الدراسات تعتمد على بعضها البعض، وقد ينقل بعضها عن بعض، وهذا لا عيب فيه، فإنما العلم صرح تكتمل لبناته، ليأتي اللاحق مكملا على السابق فيأخذ خبرته، وينقل تجربته، ثم يحللها ويأخذ ما يراه صوابا، ويكشف ما يراه من غير ذلك، ثم يكتب تحليله وتأويله.وبناء على ما سبق فلست أبا عذرة هذه الفكرة، ولست من يميط اللثام عنها، وإنما أنا أجري فلك من فكر في الآيات وقدر، وأحسن النظر وتدبر، ولكني أحاول أن أبسط في العبارة وأزيد في التحليل بما يفتح الله به من لطيف التأويل؛ فالخزائن ملأى بالأسرار، وتحتاج إلى نظر واعتبار.والمنهج الذي أتبعه في هذه الدراسة مغاير عن السابقين، فلن أتناول المتشابه حسب ترتيبه في المصحف كما فعلت أكثر الدراسات، ولا حسب ترتيب الظواهر النحوية والبلاغية وإنما أتناوله حسب الموضوعات الدلالية، فمن المعاني أنطلق إلى المباني، ومن الدلالة أنفذ إلى التركيب.وللقارئ بعد هذه التأملات أن يتأمل ويرى، فلعلي قد أخطأت وسهوت، ولعله أتى بفتح وفكر مبين، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.