12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل خسر العالم الإسلامي رهانه؟

06 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كنّا نحن المسلمين نمتلك رهانا ندافع عنه، كنّا نمثل دينًا أرسل نبيُّه رحمةً للعالمين، وحضارة استلهمت مكنوناتها من ذلك الدين. لقد أوجد أجدادنا حضارة قوية وعظيمة بما يكفي لتنير العالم أجمع، في حين كان الغرب يعيش في ظلمات العصور الوسطى ومحاكم التفتيش. نحن أبناء تلك الأمة التي امتلكت فكرة وقضية تُنقِذُ حضارات الشرق والغرب من الأزمات والمآزق التي تمر بها وتكابد جرّاءها، وقدمت للعالم دينًا وحضارةً مثاليةً توفر للإنسانية السعادة والديمومة في الدنيا والآخرة. هل جلبت الحضارة الغربية السعادة للبشرية؟أقام الغرب حضارته استنادًا إلى فكرة الإصلاح والنهضة، لتكون في مواجهة الحضارة الإسلامية، وأطلق على تلك الحضارة اسم "العالم الحديث". لقد جعل الغرب من "الحداثة" قضية سامية يتمسك بها، وأشاع فكرة أن النظام الجديد الذي طرحه يعتبر ذروة ما قدمته البشرية من أنظمة حضارية من شأنها أن توفر للإنسانية الرخاء والاستقرار. أسس الغرب حضارته من خلال استغلال واحتلال وبناء المستعمرات في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، وفي الوقت الذي كان يزيد من إثراء مجتمعاته كان يزيد من حالة الفقر المدقع في المجتمعات التي يستعمرها. أوجد نظام الحداثة حالة من الجشع والوحشية، أدت فيما بعد لقيام حربين عالميتين أحرقتا الأخضر واليابس، وجعلتا العالم يشهد كارثة لم يرَ تاريخ الإنسانية نظيرًا لها قط، كانت البلدان الأوروبية وراء جميع الحروب الكبرى التي وقعت في تاريخ البشرية، إلا أن تأثيرات وأضرار تلك الحروب لم تقتصر على تلك البلدان بل خيّمت بظلالها الثقيلة على جميع أصقاع المعمورة. جلبت الحداثة في البداية كوارث وبؤسًا لجميع الأمم والثقافات التي تدور خارج فلك الغرب والحضارة الغربية، إلا أن الأيام أظهرت أيضًا بأن الحداثة تسبب بحالات مرضية من البؤس وبانهيار اجتماعي في المجتمعات الغربية، حيث انهارت مؤسسات الأسرة، وتعرضت المجتمعات الأوروبية لمعضلة التآكل والتعرية الأخلاقية ما انعكس بشكل مأساوي على تلك المجتمعات. هل يشكل الإسلام بديلًا للحضارة الغربية؟بدأت الأوساط العالمية تعتقد بأن الحداثة لم توفر للإنسانية السعادة التي وعدت بها، وبدأت المساعي تبحث عن البديل، وهكذا ولد تيار "ما بعد الحداثة". وفي خضم تلك النقاشات، بدأت تتبلور فكرة تتمحور حول إمكانية أن يكون الإسلام مجددًا هو الحل البديل للبؤس الذي عاشته الحضارة الغربية والعالم الذي دار في فلكها. وانطلاقًا من أن الإسلام والحضارة المتولدة عنه، سلطا الضوء على الحضارة الإنسانية لمئات السنين وأنتجا مجتمعات صحّية جدًا، بدأت الأفكار وقتئذٍ تدور حول إمكانية أن يكون بديلًا فعّالًا للحضارة الغربية. في الواقع، شهدت الولايات المتحدة وأوروبا مناقشات جادة حول هذا الموضوع، وأجرى مثقفوها ومؤسساتها الفكرية دراسات ناجعة في هذا السياق، وتمت ترجمة مؤلفات هامة في هذا الصدد إلى اللغة الإنكليزية، وغيرها من اللغات الغربية. فيما كتب مثقفونا ومفكرونا وعلماؤنا رسائل قوية، شرحوا من خلالها واقعية أن يكون الإسلام بديلًا لحل الأزمات التي تعاني منها الحضارة الغربية. هل خسر الرهان على الحضارة الإسلامية؟لقد جذب كل ما سبق انتباه المعادين للإسلام أو المتخوفين منه، كان ذلك متوقعًا، لأن قيام الإسلام كبديل مجددًا، من شأنه أن يقوّض النظام الغربي القائم على الاستعمار والاستغلال والمنافع المادّية، ما أدى إلى قيام مجموعة من التكتلات والمنظمات التي سعت لتقويض الرهان على الحضارة الإسلامية وشيطنتها، لإزالة إحتمالية أن تكون بديلًا للحضارة الغربية. هل يواصل العالم الإسلامي رهانه على حضارته لتشكّل بديلًا للحضارة الغربية؟ أقول متحسرًا، لا. لست من الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ويعتمدون على الإشاعات، ذلك أنّي لا أعتقد أن السبب الذي يقف وراء خسارتنا لرهاننا الحضاري يكمن في الغرب أو ألاعيبه، بل أرى أن السبب يكمن في أننا نحن لم نعد نشكلُ بديلًا.إن مستنقع الحروب والفوضى والإرهاب والصراعات الداخلية الذي سقط فيه العالم الإسلامي، أدى إلى تلاشي كل احتماليات أن نشكل حضارة بديلة. واليوم لم يعد هنالك شخص واحد ممن يعتقدون بجدوى أن تشكل الحضارة الإسلامية بديلًا لحل الأزمات التي تكابدها المجتمعات الغربية، وأنا على يقين من أن المشكلة الحقيقية تكمن في مثقفينا ومفكرينا وعلمائنا، الذين لم يبذلوا جهودًا لإيجاد حلولٍ للمشاكل التي نواجهها والأزمات التي تعصف بنا. إن سؤالي باختصار هو كالتالي: هل تخلى المسلمون عن رهانهم أمام الحضارات الغربية والشرقية وعن تقديم أطروحتهم الحضارية للإنسانية؟.